مصطلحات يجري تكريسها إعلامياً تتناقض مع نهج مقاومة الاحتلال الإسرائيلي/الدكتور احمد صالح البطاينه
من المعروف أن اللغة تُشكل وعاء الفكر الذي ينعكس على معرفة واتجاهات وسلوك الأفراد والمجتمعات، وهي ليست أداة محايدة يُمْكنها تصوير الواقع كما هو، بل تستخدم في عملية التركيب الأيدولوجي للواقع عبروسائل الإعلام، وهذا ينطبق تماماً على اللغة الإعلامية وتأثيرها في تشكيل الصور الذهنية.
إن أهمية الإعلام لا تكمن في اقتنائه أحدث الوسائل فقط،، وإنما في كيفية استخدامه وتوظيفه كسلاح قادرعلى التعبير الموضوعي، عند تناول القضايا المختلفة في الصراع مع الكيان الصهيوني أيضاً.
لقد نجحت الصهيونية مبكراً في تطويع الإعلام للترويج لأفكارها وسرديتها وأكاذيبها، واستخدمت اللغة الإعلامية على نطاق واسع، لتشويه الواقع وتحريف الحقائق، لإلقاء الكثير من الإيحاءات والظلال السلبية التي تريدها على أطراف الصراع معها، في إطار تبني استراتيجية الخداع الإعلامي، عبرعملية صك وتصنيع وتكريس الكثير من المصطلحات والتوصيفات، التي تعتبر من أهم العمليات التي تدخل في صناعة الإعلام في العالم المعاصر، وبالتالي فإن هذه العملية ساهمت في تشويه الواقع وتحريف الحقائق وتوسيع نطاق التضليل الإعلامي Misinformation على الصعيد العالمي، بالنسبة لكل ما يتصل بالقضية الفلسطينية من ناحية، ومن ناحية ثانية لم يستخدم الكيان الصهيوني في إعلامه ولو لمرة واحدة، إسم فلسطين أو حتى الضفة الغربية، بل إنه يستخدم عبارة ” يهودا والسامرة”، كما يُطلق على جيشه إسم جيش الدفاع الإسرائيلي للإيحاء بأنه تاريخياً سيبقى في حالة دفاع عن النفس. وفي المقابل لم نستطع على مدى تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني، أن نُدخل مصطلحاً عربياً واحداً إلى لغة الإعلام الصهيوني، في الوقت الذي وقع إعلامنا العربي ضحية عشرات المصطلحات التي يُشكل استخدامها خدمة للمصالح الصهيونية.
ومن هذا المنطلق لا بد من أن نُولي اهتماماً عميقاً بالبعد الإعلامي، وخاصةً على صعيد إعادة النظر بما يجري استخدامه وتكريسه من مصطلحات على الجبهة الإعلامية في الصراع المحتدم مع الكيان الصهيوني، والتي لا بد من تصحيحها، بهدف تجنب الثغرات الإعلامية في الخطاب الإعلامي المقاوم والمساند له، سواء كان موجهاً للشعب العربي أو لشعوب العالم من ناحية، ومن ناحية ثانية لإحداث التغيير الكيفي في النهج الإعلامي المقاوم، الذي يُسهم في تشكيل وعي كوني بحقيقة هذا الكيان المحتل، وفي إطار من النقد الذاتي البنّاء، الذي يسعى إلى تسمية المصطلحات المستخدمة بأسمائها الحقيقية، وبالتالي تفعيل دور الإعلام المقاوم، لبناء صورة ذهنية جديدة في الوعي الكوني، حول الحقيقة الاستعمارية البشعة التي يُمثلها الكيان الصهيوني.
وفي هذا الإطار فلست معنياً هنا بتصحيح ما يُكرسه الإعلام العربي المتصهين، بل والمتأمرك، الذي يغوص عميقاً في التضليل والتزييف والتحريف، وما يستخدمه من مصطلحات صهيونية في تغطيته الإعلامية للصراع، خدمةً للكيان الصهيوني، فهذا الإعلام المنبوذ تم تطويعه لصالح هذا العدو، ولا فائدة أبداً من نقده أو انتقاده، فهو يغوص في العمالة حتى الركب، ولكنني هنا بصدد محاولة تصحيح المصطلحات المستخدمة في إعلام المقاومة والإعلام المساند له على النحو التالي:
* في معرض التغطية الإعلامية الحالية لمجريات الحرب الصهيونية على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية ولبنان وشعبها، يتم استخدام مصطلحات الأراضي والبلدات والمستوطنات الإسرائيلية بدل استخدام فلسطين المحتلة، وتترد يومياً وبتكرار مثل هذه التسميات على ألسنة المراسلين الذين يصنعون الزخم الأخباري لمجريات الحرب، كما أن الخرائط التي تُعرض والمصاحبة لهذه التغطية الإعلامية استبدلت فلسطين المحتلة بإسرائيل، الأمرالذي يُخالف حقيقة الوجود الصهيوني ككيان محتل للأ رض الفلسطينية، ولم نعد نسمع على ألسنة مذيعي ومراسلي الأخبار في التغطية الإعلامية إسم فلسطين المحتلة أو الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك هو الحال بالنسبة للجولان المحتل، الأمر الذي يتناقض مع حقيقة صراع المقاومة مع اسرائيل، بأنه صراع مع محتل لفلسطين وأراضٍ عربية.
* يجب عدم استخدام مصطلح “التطبيع” الذي شاع على نطاق واسع بين إسرائيل والدول العربية، بما يُوحي أن وجود إسرائيل أمر طبيعي مثل وجود أية دولة طبيعية أخرى في المنطقة، وقد تم تغليف هذا المصطلح بمصطلح السلام بين العدو الصهيوني والدول العربية التي سارت في هذا الركب، وهو في حقيقته استسلاماً للعدو الصهيوني، وليس تطبيعاً معه، ودون تحقيق الحد الأدنى من عدالة للقضية الفلسطينية، علماً أن إصطلاح التطبيع غالباً ما يُطلق على دول طبيعية لها حدود معترف بها، الأمر الذي لا ينطبق على اسرائيل، بصفتها كياناً استعمارياً مصطنع، ناهيك عن أنها تسعى إلى التوسع بحقيقة أنها لا تُقر بحدود جغرافية لها.
* يجب عدم استخدام مصطلح المستوطنات، حيث استمر استخدام هذا المصطلح على امتداد الصراع ولا يزال، بدل استخدام الوصف الحقيقي لها وهو المستعمرات، وأدخل الصهاينة هذا المصطلح لقاموس الإعلام العالمي، والأخطر من ذلك، أن هذا المصطلح أصبح من المفردات الثابتة في قاموس الإعلام العربي، علماً أن تاريخ المنطقة، يشهد أن وجود الكيان الصهيوني ذاته في المنطقة، أحق أن يوصف بالمستعمرة، وأنه امتداد للعنة الاستعمارية التي عانت منها المنطقة قديماً، وتم إصطناعه لاستمرار الهيمنة الغربية الإستعمارية على المنطقة مجدداً، وهذا ما يُفسر التأييد المطلق لاسرائيل، ومساندتها بالزخم العسكري والسياسي والمالي الغربي المستمرعلى مدى الصراع معها بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، والذي أصبح جلياً للعالم خاصةً خلال الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، مع التجاهل التام لِما ترتكبه اسرائيل من فضائع الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني. من جانب آخر يُكرس استخدام مصطلح المستوطنات الشعارالذي قام بالترويج له زعماء الحركة الصهيونية ” أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ” والذي يُقصد به أن هناك (أرض بلا شعب) وهي أرض فلسطين، يجب أن تُعطى إلى (شعب بلا أرض) وهم اليهود، والذي نتج عنه إحدى أعظم الكوارث الإنسانية التي حدثت في القرن العشرين، وتمثلت بترحيل الفلسطينيين واحتلال وطنهم.
* يجب عدم استخدام مصطلح ” الصراع العربي – الإسرائيلي “، فلم يعد هذا المصطلح قابلاً أو صالحاً للتداول، خاصة وأن النظام الرسمي العربي يقف متفرجاً متخاذلاً، بل متواطئاً مع اسرائيل على أرض الواقع، كما أصبح جلياً خلال الصراع المحتدم بينها وبين المقاومة، حتى أن هذا المصطلح ما كان يجب أن يُستخدم أصلاً، وكان الأجدر أن يُستخدم بدلاً منه “القضية الفلسطينية”. إن مصطلح “الصراع العربي الإسرائيلي” يُوحي بأن ثمة طرفين متصارعين العرب وإسرائيل ، أي أن لكل منهما حقاً، وأن صراعهما يدورعلى هذا الحق ،أما مصطلح “القضية الفلسطينية” فإنه يدل على أن ثمة قضية واحدة لصاحب حق واحد هو الشعب الفلسطيني من جانب، ومن جانب آخر فإن تكريس استخدام ” القضية الفلسطينية ” يضع إسرائيل في موقف من لا يملك حقاً في الأساس، وأن كل القضية هي قضية شعب اغتصب وطنه وشُرد منه وانتُهكت حقوقه، أما مصطلح الصراع العربي- الإسرائيلي فإنه يضع إسرائيل في موقف تتجاوز معه هذا الأمر المبدئي، لتضع الصراع معها في إطار تسوية الحدود مع الدول العربية ” حدود 1967 في حدها الأقصى”من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن استخدام مصطلح الصراع العربي الإسرائيلي يَصُب في حساب الوهم الذي سوقته الصهيونية، ولا تزال، للعالم، لكسب تعاطفه وتأييده، بأن اسرائيل دولة صغيرة مُحاطة بدول عربية تريد القضاء عليها، الأمر الذي بات واضحاً أن النظام الرسمي العربي ما عاد معنياً بذلك.
* وعلى صعيد المقاومة للكيان الصهيوني على الجبهة الإعلامية، فيجب تجنب استخدام مصطلح “الشرق الأوسط”. لقد وقع الإعلام العربي في فخ هذا المصطلح ولم يخرج منه حتى الآن، علماً أن هذه التقسيم الجغرافي أملته مصالح غربية، وتم استخدامه بدلاً من مصطلح ” الوطن العربي ” بل وتغييبه، والذي لم نعد نسمعه منذ أمد بعيد، ولا يزال الإعلام العربي يُحجم عن استخدامه، الأمر الذي يتناقض مع ما تفرضه الالتزامات التي تُحاكي المشاعر القومية العربية، والأخطر من ذلك، أن الكيان الصهيوني ومن يتحالف معه يُروجون لخداع جديد، يُبشرون فيه بمصطلح ولادة ” شرق أوسط جديد”، تتحول فيه إسرائيل من دولة محتلة ودخيلة، إلى دولة طبيعية في المنطقة، رغم أنف شعوبها، ورغم مجازرها وجرائمها الوحشية بحقهم.
باحث وإعلامي عربي أردني
.