وداعا يا عام الشهداء.. وقل لنا إلى أين المسير والمصير؟/خالــد شــحام
28 ديسمبر 2024، 18:33 مساءً
أيامٌ قليلةٌ باقية ويقترب العام الرابع والعشرون من نهايته في ذروة السنواتٍ العجاف وأيام ٍ تبدو كالسَّراب بل أشد تكذيبا، نحن الشاهدون على زمن العجائب والسبع الموبقات وزمن المحن الكبيرة وزمن الباقيات الصالحات، نحن الشاهدون والشهداء على صعود الفتن وانحطاط الفضيلة وضياع الحقوق وانتصار الطغاة، هذا هو زمان القبض على الجمر، وحيث يبيت الحليم حيرانا .
بالأمس بينما كان المغول الأمريكي يحيي الكريسماس بحرق صنعاء ويحتفل المغول الاسرائيلي بإحراق مستشفى كمال عدوان كانت الصلوات والدعوات تعم العالم، ليست هي صلوات الشكر المعتادة، بل هي صلواتٌ على الموتى والمعذبين والغائبين الذين أصبحوا جزءا لا يتجزأ من آلام الإنسانية وكآبة العصر، يحتار المرء فيم يكتب، هل يضع رؤية أو صورة في وعي القارىء أم يعيد له شحن معنوياته التي تكاد ان تنفذ ؟ أم يذكره بالإنسانية التي تكاد تنسى؟
ما يجب التأكيد عليه بأننا أمام سلسلة أحداث عظيمة مخططة عن سبق إصرار، ليس فقط للشرق الأوسط بل تشمل العالم بأكمله، نحن لم نخرج من سنوات العسرة بعد، سنوات العسرة التي تم افتتاحها مع مطلع العام العشرين بخديعة كورونا التي طالت كل البشرية ثم تمددت بمسلسل الدفع الأمريكي بهذا العالم نحو الهاوية، الهاوية التي تتجسد الآن ويوميا في مجرزة غزة العاملة ليلا ونهارا دون توقف، لقد انفصلت غزة عن الكوكب العربي وتدحرجت في الفضاء المجهول، ما يأتينا الان هو رجع بثٍ متأخر يشوبه التشويش الستاتيكي من مراسلي غزة واستغاثات المستشفيات وبكاء الاطفال ونحيب الأمهات، لقد قُضي الأمر وقضت غزة على كل الأنظمة العربية حتى لو لم يدركوا ذلك بعد، غزة العظيمة وحدها الان تتحمل حمولة الشر لكل هذا العالم وأصبحت منارة كل الأجيال والمستقبل .
ما الذي رصدناه في هذا العام وكيف السبيل وأين المفر وإلى أين المصير والمسير ؟
1-إذا كان الربيع العربي الأول قد أخفق في مهمته فإن طوفان الأقصى هو الربيع الأول الحقيقي لعالم العرب، إن النفاذ الذي حققته غزة على الرغم من حجم الخسائر الفادحة في الميزان المدني يمثل أول أرتقاء لعالم العرب والمسلمين وهو الخطوة الأولى الحضارية في كسر قيود مزمنة مبيتة منذ عشرات السنين، إنها المحاولة الأولى الجادة لكسر ثوابت سايكس -بيكو التي نسيها الجميع.
2- لقد تكشفت حقيقة الدولة العربية تماما، عوامل وبذور التدمير الذاتي التي أوجدها الحكم العربي داخل بلده اكبر من عوامل البناء، وعوامل الفناء اكبر من عوامل البقاء، السنوات التي ضحكت فيها الدولة العربية على نفسها وعلى شعوبها وأمضتها في العبث والتأخر العلمي وبناء مؤسسة الفشل القائمة على النعيم المزيف وأجهزة الأمن جاء وقت حصادها، ومن العبث التفكير بأية آفاق تقدم او ازدهار لعواصم الرماد لأن الرماد يبتلعه البحر ويذيبه المطر، واضح الان أن مصير أية دولة عربية مرهون بكبسة زر فقط ولم يعد من مجال لإنكار ذلك، الشيء الوحيد المؤهل للنجــاة هو الذي يحمل مؤهلات ودروس من غزة أو اليمن فقط .
3- لم يعد في وجود هذا العالم شيء اسمه الديموقراطية او حقوق الإنسان أو القانون الدولي، لقد احترقت كل هذه الشجرة اليابسة وتساقطت وتناثر رمادها على كل العالم الغربي ونتائج هذا السقوط ستظهر خلال العقد القادم، من يفترض او يتوقع ان يتواجد هذا المصطلح في سوريا الجديدة او مصر أو ليبيا او اية بقعة من العالم فهو واهم، نحن الان نسبح باتجاه الحكومة العالمية الموحدة تحت شعار الحكم الجبري الذي تقاتل غزة والشعب اليمني ضده، وهذا الخطر قادم لا محالة لكل منكم إلى بيته شرقا وغربا وقد اعلن عن نفسه بكل صراحة وقوة وجرأة، لقد اثبتت حرب غزة اننا نعيش في وهم كبير وسجن كبير، وفتحت عيوننا على حقيقة النفوذ والسلطة في عالم اليوم، إن المصطلحات الصحيحة التي تفسر هذا العالم هي الوحشية الأولى والخوف من الجوع، والفقر والمهاجرين والبطالة والحروب وحقوق الصيد و المعادن والأراضي الصالحة للزراعة والمساحات الدافئة، هذه هي عناوين الحروب الكبرى القادمة .
4- سقط الإعلام العربي كاملا وأسقط معه الشعوب، سقطت الفضائيات وكل التحاليل الطبية السياسية والستوديوهات الإغوائية، سقطت الصحافة والكتاب والمفكرون العرب، لم يتبق احد، كل ما نقرأه أو تقرأونه الان مني او من غيري هو حفنة من الهراء وكل ما تطالعونه يوميا هو حصاد السنابل الفارغة من كبار الكتاب حتى أصغرهم، أصبحنا جميعا خَرفين او فاقدي اهلية، الاعلام الحقيقي انتقل الى تلفزيون حماس والجهاد الاسلامي واليمن العظيم، والأخبار والتحليلات الصحيحة هي تصريحات ابو عبيدة وكلمات الابطال التي تُلقى قبل الرمي، الأنباء الحقيقية هي التي تقدمها مقاطع فيديو المقاتلين في غزة واصطياد أعداء الحياة ورجمات الصورايخ المقدسة اليمنية وكل ما عدا ذلك زيف ومحاولات قفز من الزوارق الغارقة .
5-إن هذا الصراع بمقاسه الكبير، ومن ضمنه ما يجري في غزة ولبنان وسوريا والخليج وايران مهما تغطى بكل الدعايات ومكياجات التزوير والتزويق فهو في نهاية المطاف الحفر ضد الإسلام بهويته العربية أولا وبالأداة العربية ثانيا، وتثبيط الصعود العربي بالفكر الإسلامي، الحفر تحت الأرض وتحت اللغة وتحت الثوابت كي نسقط كلنا في هاوية الفراغ الغربي والخندق الأخلاقي الأمريكي، جيش المخربين الاسرائيلي والمتعدد الجنسيات من البريطاني الى الفرنسي انما يخوض حرب دفاع عن روح الربا والخمر والزنا وتعدد العلاقات والمثلية والانحلال الاجتماعي وحقوق القتل المفتوح الرخصة والاستيلاء غير المشروع، بينما يحرم الإسلام كل ذلك، إنها الحرب على الاسلام بلا خافية ولا ساترة، حرب على أعظم كتاب أنزلته السماء وفيه الوصايا الصحيحة التي ينكرها أكثر البشر وتشن عليه أعتى الحروب.
6-في هذا العام، عام الدماء، يقف التاريخ ضد محاولات تزويره، تزويره على مرأى الشهود والشهداء بذريعة الحقوق التاريخية في الأرض وبذريعة حق الدفاع عن النفس وبذريعة تفوق العرق الأبيض والدين الأبيض، والدولار الأبيض ضد أهل الأرض وأهل الحقوق و ضد الإنسان الذي يُقتل طفله ونساؤه وتحرق مدينته ويدمر منزله ويطارد في المشافي وحتى القبور.
7- إن الثمن الذي سندفعه جميعا لقاء ما يحصل في غزة أكبر بكثير مما يمكن لأحدكم أن يتخيله، إنه دمٌ ثمينٌ ودَينٌ لا يفنى ولا يستحدث، إن هؤلاء النساء والأبرياء والأطفال الذين يموتون على مرأى من أعيننا من البرد أو القصف أو نقص العلاح أو الحليب أو الغذاء هم أقوى من القنبلة الذرية وأكبر خطر يتهدد مصير الأرض بالفناء والاندثار والعقاب، وإنما نحن في جدول الانتظار الرباني .
8-إن المصير القادم لهذا العالم محصور بمنتجات الصراع بين ثلاثة أقطاب أساسية ستقرر هي مصيره على المستوى المادي والسياسي والعسكري المقروء، وهي الولايات المتحدة والصين وروسيا، والتشابك الفعلي بين هذه الاقطاب مربوط بعقدة واحدة في الشرق الاوسط اسمها ايران ولم يعد يهم ما هو مصير أي نظام عربي لأنها كلها في حالة موات وجودي سلفا، ما سيؤول اليه الامر مع ايران سيقرر طبيعة هذا الصراع، زمام السطوة الحالية تقودها زمرة النظام العالمي الذي يتمترس في الولايات المتحدة ويدير مجريات هذا العالم من خلال ادارة الحروب وانتقال الثروات وادارة الممرات الجوية والمائية والبرية رافضا أية شراكة أو قناعة أو تنازلات، لكن عجلة التاريخ والكون لا يمكن أن تكون بيد حلف الشيطان، فكما لهذا الحلف جنده وقواته فلدى الرحمن جنده ورسله، مسألة التصادم المباشر ليست إلا مسألة وقت، وما تفعله الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بتحويله إلى مستعمرة اسرائيلية كبرى ستكون له تداعيات أكبر بكثير مما يتوقعون ستعيد ايقاظ أقطاب الصراع الأساسية وادخالها مرة أخرى في حسابات أخرى خارج التوقعات ولن تكون هنالك أية فرصة لنجاح مشروع الشرق الأوسط الاسرائيلي، إن مستقبل هذه المنطقة مرهون الان وكليا بما سيترتب عليه الأمر مع ايران والتي لن تنكسر أبدا.
9-إن قوانين الصراع التاريخي لا تختلف عن قوانين الطبيعة في سنن الكون، لا يمكن لأحد أن يحبس البخار الحار المتصاعد من شقوق الأرض النشطة بإغلاق الشقوق بالاسمنت لأن هذا البخار سيعود بهيئة انفجار ضخم، لا يمكن للكيان الصهيوني أن يظن بأنه قضى على المقاومة الفلسطينية أو حزب الله أو جيش اليمن أو نهضة ايران، هذه الأشياء هي انعكاس لقوة الإنسان و الحياة والكرامة التي تعيش في هذه المناطق منذ آلاف السنين ولا يمكن أن تفنى أو تُباد، إنها أشياء مقيمة في الحجر والشجر، هؤلاء هم جنود الأرض الذين ترسلهم الأرض عندما تفشل كل سبل السلام والامان والعيش الكريم، إن مشكلة حلف الشيطان مع هذه البلاد ليست مشكلة مقاومة أو (إرهاب إسلامي ) أو (مشروع نووي ايراني)، إنها مشكلة مع التركيب الكيميائي الجزيئي لهذه الأرض وحجارتها وشجرها ومائها وكل ما هو موجود فيها، هذه الأرض هي التي تقاتلكم وترفض وجودكم وتقاوم رائحتكم، إن جزيئاتها يعاد تدويرها لتصنع إنسانا يقاتلكم في غزة واليمن ولبنان وسوريا والعراق والأردن وايران لكي يتحول إلى اداة مقاومة لوجودكم .
من كان يصدق بأن شخصا مثل الشهيد يحيى السنوار تسبب في هَزِّ العالم ِبأكمله ؟ من كان يصدق بأن المقاومة الفلسطينية ستلمع في سماء الصمود مثل نجم سهيل ؟ ومن كان يصدق بأن أرض اليمن سترسل صواريخ النار الى فلسطين لتقف مع شعب فلسطين ؟ من كان يصدق أن جيش الظلام عبارة عن جبناء وانذال بهذا القدر ؟ من كان يصدق أن صاروخا من حزب الله أو اليمن سيجعل حثالة الأرض يبيتون ليلهم في الملاجىء ؟ من كان يصدق بأن اليمن سيقصف بوارج الاستكبار الآمريكي ويغلق البحر الأحمر ويرمي مطار بن غوريون ويشتر عورة أمة بأكملها ؟ من كان منكم يؤمن الان بكل ذلك، فعليه بأن يصدق ويعلم بأن نصر الله قادم وبأن شعب فلسطين لن ينكسر ولن يستسلم، وشعب اليمن البطل لن يركع ولن يتوقف مهما قصفوا وحرقوا .