canlı casino siteleri casino siteleri 1xbet giriş casino sex hikayeleri oku
آراءموضوعات رئيسية

الثروة الحقيقية هي الإنسان / قاسم صالح

يخطئ الكثيرون حين يظنون أن الثروة الحقيقية تقاس بكمية النفط أو الغاز أو الذهب أو المعادن التي تختزنها الأرض. هذا الوهم لا يزال يطارد الشعوب العربية والإفريقية، ويجعلها رهينة انتظار عقيم لبراميل النفط وحقول الغاز، متناسية أن الثروة الكبرى في عصرنا ليست ما يستخرج من باطن الأرض، بل ما يستثمر في باطن العقل. إن الأمم التي ارتقت، لم تنهض بثروات طبيعية، وإنما بوعي الإنسان، وتعليمه، وبناء منظومة قيم جديدة تجعل منه محور التنمية وغايتها في آن واحد.
أولا: التجارب العالمية في الاستثمار في الإنسان
1. اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية
خرج البلدان من الحرب مدمرين بالكامل: مدن محروقة، بنى تحتية مدمرة، واقتصاد منهار. ومع ذلك، لم يقفز اليابانيون ولا الألمان إلى باطن الأرض بحثا عن ثروات، بل التفتوا إلى المدرسة، والمختبر، والانضباط الاجتماعي. في أقل من نصف قرن، أصبحا من القوى الاقتصادية الأولى في العالم.
2. كوريا الجنوبية وسنغافورة
كوريا الجنوبية في خمسينات القرن العشرين كانت أفقر من كثير من دول إفريقيا، بينما كانت سنغافورة مجرد جزيرة صغيرة بلا ماء ولا نفط. لكنهما اتخذا قرارا استراتيجيا: الاستثمار في التعليم، النزاهة السياسية، وتطوير العقل البشري. النتيجة أن كوريا الجنوبية اليوم من أكبر مصنعي التكنولوجيا والسيارات، وسنغافورة مركز مالي عالمي، يتجاوز دخل الفرد فيها مستويات اليابان.
3. إفريقيا الغنية الفقيرة
في المقابل، نجد إفريقيا التي تحوي ثلث ثروات العالم المعدنية، تعيش أزمات الفقر، والبطالة، والنزاعات العرقية. نيجيريا مثلا، من كبار منتجي النفط، لكن ملايين من سكانها يعيشون في العوز، بسبب غياب الاستثمار في الإنسان، وهيمنة الصراعات الإثنية، واستشراء الفساد.
ثانيا: الاقتصاد الجديد ومعادلة القيمة
إن النموذج الأوضح لفهم التحول المعاصر هو الهاتف الذكي. مكونات الآيفون أو الجالكسي لا تتجاوز بضعة غرامات من الحديد والزجاج والبلاستيك، أي أنها لا تساوي دولارا واحدا من حيث المواد الخام. لكن سعر الجهاز يتجاوز مئات الدولارات. الفرق يكمن في الفكر البشري الذي صممه وبرمجه وأدخل فيه التقنية.
بمعنى آخر: جرام من العقل أغلى من برميل نفط.
وهذا ما يفسر أن أثرياء العالم لم يعودوا ملاك الحقول النفطية، بل مبتكري التطبيقات، ومهندسي البرمجيات، وأصحاب الأفكار الخلاقة.
ثالثا: العرب وموريتانيا بين الوهم والحقيقة
1. العرب وأسطورة الثروة
ما يزال الخطاب العربي الرسمي والشعبي يعلق الأمل على النفط والغاز كطريق وحيد للغنى والتنمية. لكن التجارب أظهرت أن الثروة الطبيعية في غياب الوعي تتحول إلى نقمة. كثير من الدول العربية الغنية بالموارد ما زالت تعاني من البطالة، والفساد، وغياب العدالة الاجتماعية.
2. موريتانيا: الإمكانات والاختناق
موريتانيا بلد غني بالثروات: حديد، نحاس، سمك، غاز… لكن واقعها الاجتماعي يظل مثقلا بالجهوية، والقبلية، والعنصرية، وفشل التعليم، وضعف البنية التحتية. لذلك فإن أي ثروة تستخرج من الأرض لن تكون سوى لعنة إضافية ما لم يتغير الإنسان الموريتاني نحو عقل نقدي منتج، وإدارة نزيهة، ورؤية وطنية شاملة.
رابعا: المعادلة الحقيقية للتنمية
يمكن صياغة معادلة بسيطة لنهضة الأمم:
ثروة طبيعية + عقل متخلف = خراب ودمار
لا ثروة طبيعية + عقل متطور = نهضة وتنمية
وهذه المعادلة تفسر لنا لماذا تتصدر سنغافورة وكوريا الجنوبية مؤشرات التنمية، بينما تغرق نيجيريا والكونغو والسودان في أزماتها رغم غناها الطبيعي.
خامساً: نحو مشروع موريتاني جديد
الاستثمار في الإنسان يعني:
1. إصلاح التعليم: بجعل المدرسة مصنعا للعقول الحرة لا حظيرة للحفظ والتلقين.
2. إرساء العدالة الاجتماعية: لأن الظلم يولد الكراهية، ويقضي على أي مشروع وطني.
3. مكافحة العصبية والقبلية: فالأمم لا تبنى بالقبائل، بل بالمواطنة.
4. تشجيع البحث العلمي والتقني: بدلا من الاكتفاء بتصدير المواد الخام، علينا أن ننتج معرفة وتقنية.
5. تطوير القيادة السياسية: عبر النزاهة، والشفافية، وإرادة الإصلاح الجاد.
إن الثروة الحقيقية ليست في باطن الأرض بل في باطن العقول. وحين يهتف بعضنا فرحا باكتشاف غاز أو نفط جديد، ينبغي أن نسأل أنفسنا: هل استثمرنا في الإنسان كي يحسن إدارة هذه الثروة؟ أم أننا سنعيد إنتاج اللعنة القديمة؟.
إن صرخة أفيقوا أفيقوا يا موريتانيون! ليست شعارا بل ضرورة وجودية. لأن الأمم التي تنتظر ثروات الأرض ستموت جوعا، أما الأمم التي تستثمر في الإنسان فستحول الرمل إلى ذهب، والصحراء إلى جنة، والهزيمة إلى انتصار.

قاسم صالح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى