canlı casino siteleri casino siteleri 1xbet giriş casino sex hikayeleri oku
آراء

حرب الآداب وخطة الخسران/ محمد الامين الناتي

لقد ألْحَحْنا ـ بما فيه الكفاية ـ بالتذكير أن لا فَكَاك للآدب، ولا للعلوم من أيِّ خطة يراد بها ترقية أيٍّ منهما؛ وهو ما قصدناه في استحضار الظروف التي يبدو في ظاهر أمرها، أنها مواتاة لأحد الاهتمامات، دون الآخر، والتي طغا فيها احْتِفاء بهذا الجانب، أو سادها الميل إلى ذاك دون هذا؛ وهو ما انْتَهى بنا إلى حقيقة أن البيئةَ المُواتية للتَّنْشِئة وللنشاط العلمي، هي ذاتُها مَنْشأ المعارف والعلوم جميعها؛ حتَّى كان ذوو الإسهام العلمي أدباء؛ كما كان العلماء ذوي كعب عالٍ في الأدب. ولئن كانت تجارب الأمم شاهدا على ما نقول؛ وقد ألمحنا إلى مثال ذلك في تاريخنا العربي؛ فلَعَلَّ زيادة في التأكيد أن نُذكِّر بأن أساطين العلم والمعرفة، الُمغيِّرِين وجهة الإنسانية نحو الأفضل، من مثل إسحاق نيوتن، وجاليليه وإنيشتاين وديكارت، بقدر فُتُوحهم العلمية في قوانين الجاذبية والنسبية وفلسفة العلوم، كانوا أدباء أولا وأخيرا.
وإذن لا مناص لمريد التخطيط للتوجه نحو العلوم، أحرى بالعامل على ازدهارها، أن يشرع بالماهِد لها من نشاط تعليمي، يبدأ باكتساب المهارات الأدبية القاعدية؛ حتى تنطلق الألسن بترجمة الإدراك وضبط الأحاسيس، ووتتفتح العقول، وتتهيأ الأذهان، ويكون الشروع في ضبط المفاهيم الأولية؛ ثم يكون التدرُّج إلى صياغة القوانين في مقولات منطقية، وكل تلك ـ لعمري ـ لا سبيل إليها إلا تَوسُّلا بالآداب؛ أما حين يرقى الفكر العلمي، ويكون الاستعداد للإبداع فإن العلاقة بينه وبين اللغة لا تترك مجالا للمفاضلة.
معنى هذا أنه بأيِّهما كان الاهتمام، يكون حضور الآخر بالتلازم؛ ولا يقْصُر عن إدراك ذلك الاقتضاء إلا الفكر الخرافي، أو التأمل المتَخلِّف. غير أن العناية بتطوير العلوم، أو تحسين دراستها ـ وهي مترابطة، بمنظور غير أحادي ـ من أكثر ما تقتضي توفير مناخ الحرية والإبداع، الذي هو الشرط الأساس، وتعلوه شروط أخرى، من أهمها: خلق الحوافز، و كفاية العالم أو الباحث المادية، التي هي جزء من استثمار سخِيٍّ، في التربية والتعليم والبحث العلمي، باقتناء الأدوات والأجهزة، وتوفير شروط الحياة الكريمة للمدرسين، وتزويد العلماء والباحثين بالوسائل، وضمان حرية الرأي والتفكير الصحيح التي هي المطلب الأول للدراسة والاختراع والابداع.
حين حسَّت شعوب ـ حالُها مثلُ حالنا ـ بضرورة التطوُّر لم تبخل على التعليم بالتمويل السخي؛ حتى تجاوز الخمسين في المائة من ميزانياتها، وركَّزت أكثر ما ركزت على اللغة الأم، ولم يلِها في الاحترام والتقدير إلا المدرس؛ وذلك هو سر الطفرة العلمية التي حققتها بلدان مثل ماليزيا والكيان الصهيواني واليابان؛ بل إنه في اليابان كانت الخطوة الأولى ـ بعد الإنفاق السخي على التعليم ـ هي رفع تقدير المعلم وإجلاله؛ ليرقى إلى حصانة لم يحظ بها إلا الإمبراطور؛ وانظروا إلى أثر ذلك في يابان القرن الحادي والعشرين…
أما قولهم إنَّ تعليمنا لا ينتج سوى الأدباء، فهو قول مردود من جهات عدة، أولاها:
ـ أنه من أجل التسليم بهذا ينبغي إقرار أن لهذا التعليم مخرجات تفي بحاجتنا من الكوادر، وأن هذه المخرجات ـ إذا توافرت فيها الكفاءة ـ فيها زيادة من خريجي الآداب؛
ـ ثانية الجهات أن الحاصلين على الباكالوريا ـ في السنوات الأخيرة ـ أكثرهم شعبة العلوم، وأقلهم الآداب؛
ـ الثالثة من جهات الرد، هي أن حملة الباكالوريا الأدبية لا يُجيدون اللغة ولا يُحْسِنون التعبير بها، أحرى أن يقرضوا بها شعرا تتوافر فيه شروط السلامة.
إنه ـ إذن ـ قصور في كل شيء من نظامنا التعليمي، واختلال في منظومتنا التربوية، وعجْزٌ في سياساتنا الحَقْلِية؛ ولا شيء صحيح إلا ما كان من سلامة أبدان ناشئتنا، وقوة توازن المخرجات، التي لم يَحُل هُزالُها دون ألَّا يكون فيها زيادة بعض العناصر؛ ومن المؤكد أن لا زيادة في أي من عناصر المخرجات، ولا خوف من تخمة لم تقم أسبابها.
وأما إذا كان الموريتانيون ذوي ملكات متوارثة، وكانوا مُؤَهَّلين، لأسباب ليس هذا مقامها، لضروب من المعرفة والإبداع فإن لنا في ذلك قولا ـ بحول الله ـ في لقاء قادم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى