المرأة الصحراوية “مصنع” للإنجاب ومقاتلة في الجيش
مخيم الداخلة (جنوب الجزائر)- الشيخ بكاي-
من الأمور المثيرة للزائر المتجول فى مخيمات اللاجئين الصحراويين فى منطقة” لحمادة” جنوب “تيندوف” الجزائرية ظاهرة الفتاة التى تلف جسمها فى عدد من قطع الثياب الغليظة،وتنتعل جزمة عسكرية تمتد الى الركبة، وتصافح الزائر بيد عليها قفاز، وتنظر اليه بعين يشع بريقها من وراء نقاب اسود تحت حرارة تتراوح بين 45 و50 درجة.
وهذه الظاهرة لا تمت بصلة الى الحجاب المعروف، إنها اختراع “أنثوي”، وأحد أساليب “المقاومة” أملته ظروف اللجوء… هو نوع من التحجب هدفه المحافظة على البشرة و”الأنوثة” فى وسط طبيعي لا يرحم، وسياسي لا يقيم وزنا لخصوصيات “الجنس الناعم” .
وقالت مريم لـ”الوسط” وهي تزيح عن رأسها”عمامة” كانت فى السابق معهودة للرجل، ونقابا مصنوعا من قماش داكن:”خلال الفترة الأولى من وصولنا إلى هذه الأرض الحارة المالحة أصبنا بتشقق الجلود خاصة الأرجل والأيدي، وحرقت شمس “الحمادة” أجسادنا، ما جعل البحث عن “سلاح” واق أمرا ضروريا “.
وتشرح الفتاة المراهقة:”اعتمد الناس وسائل مختلفة، ونحن اهتدينا إلى”القفاصة” لأنها أصون للجمال…فنحن نساء على الرغم من كل شيئ…
ومثلما اخترعت فتيات الصحراء هذا الاسلوب الخشن الذي يخفي فى الغالب جمالا خلابا، وصفرة ناصعة، أو سمرة صقيلة من دون مساحيق، نحتن له اسما من اللهجة الليبية التى تعلمتها اللاتي درسن فى الجماهيرية هو”لقفاصة”. وتعنى كلمة”امقفص” فى العامية الليبية “منكمش” أو”بخيل”.
ويقابل الرجال وبشكل خاص المسنون ظاهرة”القفاصة” بالنقد. وهناك خوف من ان تتجذر باعتبارها عادة غريبة على المجتمع الصحراوي.
ولا تعتبر “مقاومة” الطبيعة إلا جزءا بسيطا من كفاح مرير تخوضه اللاجئة الصحراوية على جبهات متعددة.
وتقوم المرأة هنا باعمال شاقة تتراوح بين الإنجاب وحمل السلاح ، مرورا بأعمال البناء، وإدارة شؤون المخيمات والزراعة والتطبيب والتعبئة السياسية…
ولعل أصعب المهمات التى أناطتها المرأة بنفسها أو أناطتها بها “البوليساريو” هي تحويلها الى”مصنع لإنتاج الرجال”. والعبارة لرئيسة “اتحاد النساء الصحراويات” التابع للبوليساريو السنية منت احمد مرحبه.
وقالت السنية فى حديث الى الوسط:”دربنا النساء على السلاح، وبنينا مدرسة عسكرية خاصة بتدريسهن، وهن قادرات على خوض المعارك عن جدارة، لكن رأينا أننا بحاجة الى تعويض النقص البشري، ولذا قررنا استغلال المرأة فى انتاج الرجال”.
وتضيف السنية- وهي عضو فى “الأمانة الوطنية” التى تقود “البوليساريو” وهي أيضا وال سابق لولاية”السمارة” (مخيم السمارة الذي يتخذ اسم السمارة فى الصراء الغربية)-: “انجبنا الكثير من الاطفال وجنبناهم التأثيرات السلبية للحياة هنا، ونفذنا برامج وقائية ناجة طردت الأوبئة والأمراض الفتاكة”.
ووضعت جبهة “البوليساريو” خلال الأعوام الـ18 التى مضت على نزاع الصحراء برامج واسعة لمضاعفة النسل، واستخدمت لذالك أساليب التعبئة السياسية وشجعت من ينجبون أكثر.
وتتولى سلطات الجبهة عمليات الزواج التى تتم من دون مهور، وتقتصر على أفراح تتولى السلطات الانفاق عليها. وتكثر فى مخيمات اللاجئين زيجات الشباب الذين هم دون سن العشرين.
وخلال الفترة الأولى من بدء سياسة “الانجاب” عادت ظاهرة تعدد الزوجات، وذهب الحماس ببعض النساء الى قبول مشاركة أخريات فى أزواجهن، لكن خبا الحماس بعد فترة وطفت المشاكل على السطح، ما جعل “البوليساريو” التى كانت ناقشت الموضوع بجدية تعدل عن اعتماده ضمن استيراتيجياتها.
وتقول رئيسة”اتحاد النساء الصحراويات” إن”ما نقوم به هو من أجل تحرير الانسان وتعدد الزوجات ظلم للمرأة يعيدها الى العبودية”.
لكن تعتقد قله بنت سيد احمد وهي حقوقية وعضو فى ” اتحاد الشبيبة الصحراوية” أن”عرض المرأة ليس مهما الان ، المهم فى هذه الفترة هوعرض الارض”. وهي لا تمانع فى تعدد الزوجات ” إذا كانت خدمة القضية تستدعيه، ولم يكن هدفه امتاع الرجل”.
ويحصل أطفال المخيمات على عناية فائقة، وتتولى مربيات صحراويات رعاية الطفل فى دور حضانة تابعة للسلطات ، ويعهد به الى مدارس حينما يدخل السنة السادسة من العمر بشكل لا يحرمه من الجو الأسري، وهذا يسمح للأمهات بالتفرغ للأنشطة العامة.
وتحضرالمرأة الصحراوية فى كل الميادين بشكل لافت. وتقول رئيسة “اتحاد النساء الصحراويات” إن ” النساء يشكلن 80 بالمائة من العاملين فى قطاع الصحة”. وتتولى النساء إدارة المخيمات من خلال السيطرة على المجالس الشعبية التى تنتخب كل عام لهذا الغرض. وتتولى النساء العمل فى مراكز النسيج وادارتها .
وتوفر هذه المراكز الموجودة فى كل المخيمات انواعا من السجاد الجيد الذى يستخدم فى بعض الأغراض المحلية ويقدم هدايا للضيوف الكبار وللمنظمات الصديقة .
وتبقى هذه الأعمال عادية اذا ما قورنت بأخرى تمارسها المرأة او مارستها فى فترات معينة منها أعمال البناء والزراعة والتدريبات العسكرية الشاقة. وتقول عضو”الامانة الوطنية” السنية بنت احمد مرحبة إن”نسبة تتراوح بين 50 و60 فى المائة من العاملين فى الزراعة هي من النساء”.
وأقام اللاجئون الصحراويون مزارع نخيل وخضروات فى أرض مالحة ومياهها مالحة. وقد استخدموا خبراتهم الخاصة وبعض الخبرات الحديثة فى جعل هذه الارض صالحة للزراعة.
وتخصص ثمار الارض للمستشفيات والمدارس والثكنات العسكرية، وتتسع فى بعض المواسم للإستهلاك داخل المخيمات والتصدير الى شمال موريتانيا.
وتتوقع السنية أن”يحاول الرجل بعد نهاية الحرب إعادة المرأة إلى حجمها القديم، وهذا ما لن نقبل به فقد أصبحت لنا السيادة فى غياب الرجال على الجبهة، وهم يسمحون لنا الآن بالكثير نتيجة ظروف الحرب والحاجة الينا”.
مجلة “الوسط” اللندنية الصادرة عن دار ” الحياة” – سبتمبر 1995
128 تعليقات