لا أستطيع الاقتناع بأن العريفين غيسي ولام عبدولاي كانا يريدان العيش على أنقاضي/ الشيخ بكاي
على رغم الهدوء النسبي، الذي تشهده العلاقات بين الموريتانيين عربا وزنوجا، و”الكُمُون” الملحوظ لمشاعر العداء العرقي؛ لا تبدو المسألة “القومية” أو “العرقية” – على الأصح- تسلك الطريق المفضي إلى النجاة. ذلك أن الهوة تزداد يوما بعد يوم، وتزداد كل الأطراف الفاعلة والمؤثرة في المسألة انغلاقا وتصلبا على مواقفها “العاطفية” الضيقة.
وأبدأ بطرفي “المعادلة السياسية الحالية” الرئيسيين في البلد: (السلطة واتحاد القوى الديمقراطية):
أوقفت السلطة المواجهة مع الزنوج طبقا لما تمليه ظروف المرحلة، لكن جهودها انصبت على محاولة جذب الأنصار والأعوان بعيدا عن معالجة الموضوع الرئيس الذي هو التنافر العرقي؛ ولم تقطع خطوة على طريق الاعتراف العلني بوجود أقلية قومية موريتانية لها حقوقها المشروعة ولها “تظلماتها” الوجيهة، لكن أيضا لها “حدودها”، ولها “التزاماتها” في إطار “الجماعة”.
أما تجمع المعارضة الرئيسي (اتحاد القوى الديمقراطية) فقد حقق جهودا طيبة تمثلت في صهر العرب والزنوج في حزب واحد، واستطاع على مستوى النقاش الثقافي داخل أطره أن يكبح جموح المتطرفين من كل الفئتين، وأن يتبنى طرحا ثقافيا “تلفيقيا”، لكنه على قدر من المعقولية ولو مرحليا.
مشكلة “اتحاد القوى” أنه استغل مسألة الزنوج استغلالا “رخيصا” لا يزيد الأمور إلا تعقيدا، وهو في شكل عام يقطر حقدا على “الذات”، ويحمل الموريتانيين العرب خطايا نظام لم يستشرهم في الطريقة التي واجه بها التطرف الزنجي.
وأتعمد هنا أن أعري كل طرف على حدة، وأن أسمي كل طرف باسمه الحقيقي، وأحمله ما أعتقد أنه نصيبه من الخطأ.
ولا يغيب عن بالي أن عروبيا لا يعرفني قد يتهمني بالشعوبية، وأن زنجيا يسمع اسمي لكنه لم يداخلني سيعتبرني عنصريا لأني (…) . أما (السلطة) فهي الغاضب الأبدي”.
ويبقي “اتحاد القوى الديمقراطية” الذي هو على “ديمقراطيته” لا يستسيغ النقد ولا يتحمله…أما وقود “النار العرقية” من مدعي “القومية العربية” وحاملي لواء “الزنوجة”.. فهؤلاء أكبر خطرا على البلد من أي من الفريقين السابقين. فهم يحملون “سيندروم” الفتنة، وينفثون السموم في شكل عاطفي مثير للدهماء، ويمكن استغلالهم بسهولة ضد بعضهم البعض من أي قوة تريد تحقيق أهداف ظرفية تزول وتبقى آثارها السلبية.
والحل في رأيي لا يكون إلا بحوار صريح هادئ، بين القوميين العرب (لا الشوفينيين العنصريين)، والقوميين الزنوج (لا المهرجين المتطرفين)…
والقومي العربي كما أراه هو من يعترف للآخرين بما يريده لنفسه، وهو من يفهم معنى الإنتماء لثقافة واحدة، وحضارة واحدة، وحمل المشاعر والطموحات نفسها مع مجموعة بشرية متجانسة، ويشعر بألم تذويب الآخر في حضارة غير حضارته، وثقافة غير ثقافته، وقطعه من جذوره.
وأتصور القومي الزنجي بالمستوى نفسه، والموضوعية نفسها…
وقد يتساءل المرء أين هم هؤلاء القوميون؟… وأنا أقول بوجودهم… هم فعلا موجودون، وعليهم هم أنفسهم أن يجسدوا قوميتهم الموضوعية في عمل ملموس، وإلا أصبحنا في حل منهم، واعتبرناهم عنصريين مهرجين، واعتبرهم القوميون في بلاد الله الواسعة أدعياء.
قد يتعلل بعض القوميين بفشل تجربة سابقة للناصريين مع حركة “فلام”(قوات تحرير الأفارقة السود في موريتانيا). وأجازف بالقول إن أروع فترات هؤلاء كانت أيام كان “باعَمار”، و”باعُمار”، و”فاتيماتا امباي”، و”حمود ولد عبدي” وغيره، في تناغم كامل، يناقشون القضايا الوطنية بصراحة ودون أي حرج،. يتبادلون الاعتراف.. وكان الأروع أن يخرج سكان “كصور الكور” في استقبال شاب عروبي يدافع بحماسة عن التعريب وعن “عروبة موريتانيا”.. ولعل الأكثر روعة ما يرويه “صو غلل” عن والدته بعد انسحاب الطلبة الزنوج من مؤتمر اتحاد الطلاب عام 1986 ، فقد سألته ورفاقه : “اين تركتم حمود”؟