هذا المقال لا يعبر إلا عن وجهة نظر كاتبه
ذكَّرني القرار الأخير للمجلس الدستوري بقباء مشهور للشاعر العباسي بشار بن برد، كما ذكرني المجلس الدستوري نفسه بالخياط الذي خاط ذلك القباء وهو الخياط الذي لا زال حتى يومنا هذا يشكل لغزا مثيرا، فلا أحد يعرف إن كان بارعا أم لا ؟ ولا أحد يعرف إن كان القباء جميلا أم رديئا؟ لا أحد يعرف، إلا الخياط الذي خاط القباء أو الشاعر الذي لبسه، ولقد كان الشاعر أعمى ولم يتمكن من رؤية القباء، أما الخياط فقد كان أعور له عين سليمة وأخرى طافية.
لا فرق بين خياط بشار والمجلس الدستوري، فالمجلس الدستوري يصعب الحكم عليه كما يصعب الحكم على الخياط. وللمجلس عين سليمة قرأ بها الطعن الذي قدمه نواب المعارضة حول دستورية قانون الإرهاب. وله عين أخرى غير سليمة جعلته يوم التنصيب يبدل كلمة انقلاب بكلمة تصحيح وذلك أثناء قراءة أحد أعضائه لسيرة رئيس الجمهورية المنتخب. ومن الطريف هنا أنه لا يوجد حرف واحد مشترك بين الكلمتين يبرر ذلك الخلط العجيب أثناء قراءة سيرة الرئيس.
وبغض النظر عن موقفنا مما حدث يوم السادس من أغسطس فسيبقى الاستيلاء على السلطة بالقوة في كل اللغات يسمى انقلابا. ومن المخجل أن يسميه مجلسا دستوريا بغير ذلك، هذا لا يعني أنه لا يجوز لنا أن نختلف حول ذلك الانقلاب وما إذا كان قد شكل حلا ضروريا لا مفر منه أم لا ؟ والحقيقة أنه لا يمكن إعطاء إجابة قاطعة على ذلك السؤال. كما أنه لا يمكن إعطاء إجابة حاسمة على السؤال الذي طرحه بشار منذ مئات السنين عن خياطه وهو سؤال سأختتم به هذا المقال. فإن استطعتم أن تعرفوا حقيقة خياط بشار فإنكم لا محالة ستعرفون حقيقة المجلس الدستوري.وإن استطعتم أن تعرفوا حقيقة القباء فإنكم لا محالة ستعرفون حقيقة موريتانيا في طبعتها الجديدة المصححة في السادس من أغسطس والمنقحة في الانتخابات الرئاسية الماضية.
لقد رحبت المعارضة بالقرار الأخير للمجلس الدستوري رغم أنه في حقيقته الخافية شكل طعنة قاسية لها. وانتقدته الأغلبية متجاهلة بأنه أعطى مصداقية كبيرة للديمقراطية وللأغلبية الحاكمة، حتى ولو جاء ذلك على حساب تمرير القانون الذي روجت له تلك الأغلبية كثيرا.
سيسبب القرار في المستقبل القريب ارتباكا كبيرا للمعارضة وسيجعلها غير قادرة على أن تردد وبالحماس نفسه أغنيتها الساخرة التي تشكك في شرعية النظام الحالي وفي دستورية رفض الطعن في نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة. ستجد المعارضة نفسها وقد أُجبرت على أن تكون معارضة دستورية وعلى أن تتعامل مع المؤسسات الدستورية القائمة ، بل إنها قد تضطر للدفاع عن المجلس الدستوري لمواجهة الانتقادات التي بدأت توجهها الأغلبية لذلك المجلس. سيكون في ذلك شيء من الغرابة، وسيكون فيه شيء من الإثارة، وربما يساهم ذلك كله في التخفيف من الرتابة التي أصبحنا نعيشها بعد أن خفت حدة الحرب على الفساد, وبعد أن توقف ـ تقريبا ـ التجريد من المهام في الاجتماعات الأسبوعية للحكومة.
من المؤكد أن قرار المجلس الأخير كان انتصارا للديمقراطية. ومن المؤكد أيضا أن المعارضة سيكون بإمكانها دائما أن تحقق أشياء مهمة إذا ما تعاملت بذكاء مع الواقع بدلا من التشكيك والتوقف عند نتائج الانتخابات الرئاسية الماضية.
ومن المؤكد أيضا أن الأغلبية الغاضبة حاليا من قرار المجلس الدستوري أصبحت اليوم تملك أول دليل مادي على أن موريتانيا في طبعتها الجديدة قد تختلف عن موريتانيا في طبعاتها القديمة.
نظر المواطن العادي إلى القرار الأخير بكثير من الريبة والحيرة لأنه لم يتعود الاستقلالية في عمل المؤسسات. بعضهم اعتبر أن الأمر كله مجرد تمثيلية وبأن هناك أوامر عليا من رئيس الجمهورية هي التي جعلت المجلس يتخذ ذلك القرار المثير.
وربما يكون قرار المجلس الدستوري قد جاء كردة فعل للتكفير عن ذنوب سابقة بما فيها إبدال كلمة الانقلاب بكلمة تصحيح. وهو ـ أي القرارـ من هذه الزاوية قد يتشابه كثيرا مع الأذان الذي رفعه ذات يوم بشار بن برد وهو سكران.
لقد كان بشار يمشى وهو سكران وفجأة أخبروه بأن الخليفة قادم فما كان منه إلا أن رفع صوته بالأذان في وقت لا صلاة فيه لكي يخفي أنه سكران. لقد كان أذان بشار دليلا على سكره وسببا في قتله.
تتشابه موريتانيا في طبعتها الجديدة مع قباء بشار بن برد الذي لا أحد يعرف حقيقته فربما يكون ذلك القباء قمة في الروعة، وربما يكون قمة في الرداءة. لا أحد يستطيع أن يحسم ذلك الخلاف
لا فرق إذن بين موريتانيا الجديدة وقباء بشار الذي خاطه عمرو الخياط الأعور، ونحن لا زلنا غير قادرين على الحكم على موريتانيا الجديدة كعجزنا عن الحكم على قباء بشار وعلى الخياط الذي قال عنه بشار:
خاط لي عمرو قباء +++++ ليــــت عينيه سواء
فسل الناس جميعا +++++ أمديــــــــح أم هجاء
تصبحون على مجلس دستوري بعينين سليمتين
محمد الأمين ولد الفاظل
رئيس مركز ” الخطوة الأولى” للتنمية الذاتية
هاتف 6821727
Email :[email protected]
www .autodev.org