غداة انتخاب فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز كانت البلاد يومئذ خارجة من أتون أزمات رزحت تحتها لعقود من الزمن منها ماهو من صنع الماضي، ومنها ماهو من صنع حاضر نخبة سياسية هجينة لاتجيد صنع القرارات وإنما تلوك الشعارات وتتفنن في اختلاق الأزمات..
كانت البلاد من جراء ذلك على سبيل المثال لاالحصر:
*مواردها نهبا في الصيد والزراعة والنفط والصفقات العمومية.
*حدودها مفتوحة لكل من هب ودب وأجرم.
*بيئتها الداخلية أصبحت مهددة بالغلو والإرهاب.
*شعبها يجتر الوعود الخاوية بين أكواخ الصفيح وفيضانات الطينطان في مجال ضرورات الحياة من سكن وطرق ومياه وكهرباء وصحة ونقل وغذاء.
*وضعها متأزم في مجال السلم الاجتماعي حيث تزاحمت البيروقراطية الإدارية مع مخلفات1989 وأصبحت المصالحة الوطنية شكلا للمتاجرة وعمل السماسرة.
*برلمانيوها وسياسيوها ـ يا للأسف ـ يبيعون أنفسهم رخيصة ويجهدون لعودة رموز الفساد.. ولا يتورعون عن نسج الأكاذيب وتلفيق التهم جزافا للوصول إلى هدفهم الرخيص هذا؟
ورغم مرور أشهر قليلة على تنصيب فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز فان اللوحة الرمادية تغيرت تماما على الأرض لصالح فقراء البلد ودعاة التغيير البناء الذي لاصخب فيه ولانصب.
نلمس ذلك اليوم عيانا في احترام المال العام الذي أصبح غلوله محرما ومعاقبا عليه.. وتكرست المصالحة الوطنية بالأفعال لا بالأقوال تشهد على ذلك الصلوات واعادة المسفرين وأرقام الميزانية والوظيفة العمومية وحقوق الانسان.. وتجذرت سبل الحوار الداخلي حتي مع السلفيين فضلا عن الشركاء والأحزاب والنقابات… وتم شق الطرق.. وتوزيع القطع على سكان أحياء الصفيح وتحسين أوضاع الموظفين في العمل والسكن والنقل…. وتم تجهيز المستشفيات والمراكز الصحية واستحداث منشآت لمحاربة السرطان وللأمومة والطفولة وتصفية الكلى….. و أعطيت العناية لتجهيز فضاءات الزراعة والصيد والمعادن والمدارس بالبرامج والمعدات….
وعممت بعثات التفتيش وقننت أدوات الرقابة مما أعاد للشأن العام هيبته في مجال المرفق العمومي بشتى مجالاته… وفي مجال الدفاع والأمن وضعت إستراتيجية أمنية متكاملة تضمن أمن الحدود والأفراد والممتلكات ولهذا الغرض جهزت دفاعاتنا الوطنية بما يلزم من معدات وقوانين.
وإذا كان ذلك يتوقع من خصم سياسي فشل فشلا ذريعا في إقناع الناخبين ببرنامجه الانتخابي فانه ليس متوقعا من برلماني منتخب لتجسيد إرادة الناخبين والتطبيق الحرفي الأمين لقوانين الجمهورية.
ولمجرد التذكير فان الانتخابات البرلمانية هي عملية ديمقراطية يقوم بها الشعب لاختيار فرد لملء احد المقاعد البرلمانية في مجلس النواب أو مجلس الشيوخ، ويمارس البرلمانيون عملهم وفقا لمواد الدستور وليس طبقا لمصالح كياناتهم السياسية الفئوية الضيقة..
ومن هذه الصلاحيات الرقابة على الحكومة وإقرار القانون والدفاع عنه وعن تطبيقه.
إلا أنه من الملاحظ في الآونة الأخيرة أن بعض البرلمانيين ازداد شططا واستغل العديد من المنابر بما يخالف الدستور والقانون الذي أقره وتجلى ذلك في الازدراء بالقوانين التي تحمي أمن البلاد والمطالبة بإلغاء فحواها والتشهير برئيس الجمهورية والخروج بتصاريح مهددة للسلم الاجتماعي واستقرار الدولة مما يؤكد تلاعب هؤلاء بالقانون أو جهلهم له.
لقد تجاوز كل من السيد مسعود ولد بلخير وزميله المصطفي ولد بدر الدين دستور الجمهورية والقوانين المنظمة والاعراف والاخلاق الحضارية لشعبنا وعندما صبوا جام غضبهم على من نال ثقة غالبة الشعب الموريتاني في استحقاقات اعترف الجميع بنزاهتها ومن حق الناخب الموريتاني أن يعاقبهم لأنهم استخدموا اصواته في غير محلها وضد ما خولهم سنة 2006 فرصة نيلها، ولو أعيدت الكرة لخسروها في أول جولة كما خسروا الرئاسيات، إن دور البرلماني ليس القدح والسب والإرجاف ونشر الأكاذيب، وإنما في تشكيل لجان التحقيق والمساءلة البرلمانية المهنية والنزيهة للوزراء والحرص على تقديم ما يفيد من قوانين للشعب والبلد، ومن هنا يحق لنا أن نسأل مسعود ولد بلخير عن إيضاح ما قال إنه يعرفه عن كمية المخدرات ومهربيها وأن المقبوض عليهم رعاة إبل، هل يعرف مسعود هؤلاء حتى يجزم بأنهم رعاة أم أنه يعرف المهربين الحقيقيين؟ الجواب متروك لمسعود وإن كانت لديه معلومات صحيحة فالأجدر به أن يقدمها للمحققين حتى تنيرهم في التحقيق، وفي مجال التسيير أليس من حقنا أن نتساءل عن تسيير الجمعية الوطنية واكتتاب خمسمائة موظف بدون استشارة مكتب الجمعية الوطنية وقبلها ولاية كيدي ماغا ووزارة التنمية الريفية وعما ترك بعد إقالته من المنصبين اننا ندعو إخوتنا النواب الذين ازدادوا شططا وخروجا على قوانين الجمهورية إلى مراجعة خطابهم السياسي المتشنج قبل فوات الأوان.
كما ندعو المؤسسات الراعية للدستور من رئاسة الجمهورية والقضاء والمجلس الدستوري وغرف برلمانية إلى تطبيق القانون على هؤلاء السياسيين الذين تخطوا كل الخطوط الحمراء في التشهير بالرئيس المنتخب ديمقراطيا والجيش الوطني والقرارات السيادية للدولة الموريتانية ونشر خطاب معاد للاستقرار والسلم الاجتماعي الوطني.
إننا نحرص اليوم على أن نكون دولة قانون ومؤسسات، ومن هنا نطلب من حامي الدستور حماية المؤسسات الدستورية من المخالفات الضارة التي يرتكبها هؤلاء النواب الذين يستمدون شرعيتهم منه وهذا يعني الالتزام الحرفي بدستور
25 /6/2006 وبنظام الغرفتين يناير 2001 .
إنني كبرلماني سابق من الأغلبية الرئاسية التي تدعم برنامج الرئيس الفائز في الشوط الأول بجدارة محمد ولد عبد العزيز، أدعو إلى اعطاء الأولوية لضبط الخطاب السياسي الوطني مع مسلمات دستور وقوانين الجمهورية وهذا الأمر يمثل أولوية لما يترتب عليه من الرفع من مستوى الحوار الديمقراطي وتوجيهه الي البعد التنموي والتصالحي والتشاركي بدل التنافر والتصارع والتحاسد والتحاقد.. لذلك أدعو إلى أن تسبق منتديات التعليم بمنتديات عامة عن فحوى الخطاب السياسي للنائب والعمدة ورئيس الحزب والمتعاطي مع الشأن السياسي الوطني للوصول إلى مدونة أوميثاق شرف أخلاقي للمداولة البرلمانية والحزبية الوطنية وإلا فإننا نتوجه بفعل أقلية متطرفة وحاقدة إلى توترات مصطنعة قد تقود إلى جرائم ذات طابع متعدد الأوجه، أمني وسياسي وإثني واقتصادي واجتماعي وهو ما لايجوز السكوت عليه الآن في عهد الرقابة المسؤولة والتغيير البناء.