بائع الشاى الذى يفتي في كل شيء!/ عماد الدين حسين
وصلنى من مسئول اقتصادى بارز فيديو قصير لحكيم هندى خلال لقاء تليفزيونى. الرجل ذو اللحية البيضاء الكثيفة يحكى عن شخص وظيفته هى بيع الشاى مثله مثل آلاف وربما ملايين الهنود. هو يقوم ببيع حوالى ٥٠٠ كوب شاى يوميا. هذا الرجل يخبر كل زبائنه بالطريقة التى يفترض أن يدير بها رئيس الوزراء الهندى البلاد، فى كل الملفات من السياسة للاقتصاد! وهو يخبر زبائنه أيضا بأفضل الطرق لممارسة رياضة الكريكت اللعبة الأكثر شعبية فى الهند.
يقول الحكيم الهندى إن المشكلة أن بائع الشاى لا يعرف كيف يقوم بصنع أكواب الشاى بطريقة جيدة، رغم أنه يفتى فى كل شىء من السياسة إلى الكريكت.
مشكلة هذا البائع ــ كما يقول الحكيم ــ ليست قاصرة على الهند، لكن يمكن أن تراها فى محال بيع الشاى أو المقاهى فى كينيا أيضا المشهورة بالشاى. والمؤكد أن المشكلة موجودة فى كل مكان بالعالم وليس فقط فى الهند أو كينيا.
الذين يفتون فى كل المسائل كثيرون، وللأمانة فى كل البلاد وليسوا قاصرين على دولة بعينها.
فى الماضى، لم نكن نشعر بالنشاط الكثيف لهؤلاء «الفتايين»،، لكن أحد مساوئ وسائل التواصل الاجتماعى أنها جعلتنا نسمع ونقرأ عن هذا الفتى والهرى المستمر.
فى مصر.. الجميع تقريبا خبراء فى كرة القدم، ويتحدثون عن أفضل تشكيل للمنتخب أو للأندية، وتجد بعضهم جالسا «مجعوصا» فى المقهى وسط أصدقائه وزملائه وهو يسب جوارديولا ومورينيو وفالفاردى وزيدان، وأنهم «هربانة منهم»، مقترحا التشكيل المثالى لفرقهم وطرق اللعب النموذجية.
الأمر نفسه فى الاقتصاد، جميعنا صرنا خبراء فى أعتى المؤسسات الدولية.. نتحدث عن أفضل الطرق لعلاج عجز الموازنة وزيادة النمو وتخفيض نسب البطالة والتضخم، مع ملاحظة بسيطة أن معظمنا لا يعرف ماذا تعنى هذه المصطلحات بالضبط!.
معظمنا أيضا صرنا خبراء استراتيجيين فى كل المسائل والقضايا الدولية المعقدة. نفتى فى أفضل الطرق لحل الأزمة فى القرم أو شبه الجزيرة الكورية أو سوريا وليبيا واليمن مرورا بالأزمة فى فنزويلا.
أعرف كثيرين صاروا يفتون فى كل شىء لمجرد أنهم قرأوا «بوست» على صفحة مجهولة فى الفيس بوك أو تغريدة عابرة على تويتر.
قد يفهم البعض كلامى باعتباره مصادرة على حرية رأى الناس. ولهؤلاء أقول: ليس هذا ما أعنيه بالمرة. لكن المسألة ببساطة أن أفضل من يرد على خطط هيكتور كوبر فى الملعب هو مدرب أو خبير كروى حقيقى مثله، وليس كل من يجلس على المقهى. وأن أفضل من يرد على الوضع الاقتصادى ليس كل من هب ودب بل خبير اقتصادى حقيقى يكون مطلعا ومدركا للأوضاع والأرقام والبيانات الفعلية، وليس مجموعة من الشعارات والتمنيات والأحلام والآمال.
هل معنى ما سبق ألا يشكو الناس من الغلاء مثلا لأنهم ليسوا خبراء فى الاقتصاد؟!
الإجابة حتما هى لا. من حق الناس أن تشكو، لأنهم الأكثر اكتواء بالأسعار، وأى شخص يسخر منهم هو عديم المروءة، بل وعديم الإنسانية. لكن أنا أتحدث هنا عن الذين ينصّبون أنفسهم خبراء فى كل شىء، ويفتون وكأنهم مكشوف عنهم الحجاب.
وحتى لا يتهمنى أحد بالتحيز أسارع وأقول إن هناك العديد من الصحفيين يفتون فى كل شىء، من دون إلمام بالمعلومات الكاملة عن القضية التى يتحدثون فيها أو السياق العام لها.
أفضل ما يفعله كل منا، أن يلم بصنعته ومهنته وبضاعته التى يبيعها، وبعدها يمكنه أن يتفرغ للإفتاء فى أى قضية أخرى.
يصعب مثلا على الشخص الذى لا يؤدى عمله كما ينبغى، أن يلوم أى مقصر. كما أن اللص لا يملك الحق الأخلاقى أن يعظنا عن الأمانة والفضيلة. على بائع الشاى أن يحسن عمله قبل أن يتحدث عن سياسات حكومته أو قواعد لعبة الكريكت!!!.