من تاريخ الشاي( نقلا عن كتاب : كناش الأتاي والدخان في موريتانيا للدكتور عبد الله ولد بابكر / الشيخ معاذ سيدي عبد الله
.. ثم نجد ذكر استعمال الأتاي في سان- لوي ( اندر) وفي موريتانيا، عام 1850، في كتاب ليوبولد باني Panet الذي يذكر، وهو في الطريق من سان- لوي إلى شنقيط مع قافلة أهل شنقيط، أن مرافقه اليهودي كان يستيقظ ساعة قبل الآخرين ليحضر لهم الأتاي (ص 393). كما ذكر، وهو في شنقيط، أن مرافقه جاءه ليخرج معه لتناول الأتاي(ص414)، وأن أخا عبد السلام صديقه التاجر الفاسي في سان- لوي دعاه إلى بيته في شنقيط، فرأى فيه ” صينية مفضّضة صففت فوقها فناجين وصحون غير متشابهة.. ووسطها براد مفضض، وتناولنا معا الأتاي”(ص415)، ولما وصل واد نون، واستقبله القائد ولد بيروك في كليميم ( التي يسميها نون) رأى في بيته خزانة كبيرة فيها مواعين الأتاي من الفضة والبورسلين (ص 537).وهذا يجعلنا نذكر باحتراز التاريخ الذي ذكره ألبير لريش Albert Leriche بأن الرواية الشعبية تحدد دخول الشاي (بالحسانية الورﭬـه) إلى موريتانيا بين 1275ه(1858م) و1292ه(1875م) عن طريق قافلة تضم أفرادا من تكنه، وثلاثة رجال من أولاد بسباع، ويهوديا اسمه بجوخ.
ولكن تظل هذه الرواية مهمة لأن تاريخ دخول مادة يظل نسبيا مادام استعمالها لم ينتشر. ويضيف لريش أن هذا يبدوله معقولا لسببين: “الأول، أنه في هذه الفترة – منتصف القرن التاسع عشر- هبطت قبيلة أولاد بسباع، القادمين من حوز مراكش، على امتداد شواطئ الأطلسي لتستوطن المنطقة الممتدة من حوض أرگين إلى رأس تيميريس. والثاني، أنه في الفترة نفسها تقريبا، عين أحمد ولد مْحمد ولد أحمد ولد عيده أميرا لإمارة آدرار(1872). وهو مثقف كبير، وعابد وعادل، ولم تعرف منطقة آدرار في تاريخها فترة أكثر عافية من عهده، حتى سمي “أمير العافية”.
وكانت لأحمد ولد مْحمد صداقات قوية ومخلصة مع قبيلة الرقيبات ، وطارت شهرته حتى وصلت وادنون لدى القائد دحمان ولد بيروك الشهير. وهكذا أصبحت العلاقات مع المغرب في زمنه منتظمة وأكثر حركية.”(ص869-870). ويضيف لريش: ” في آدرار كان أولاد بسباع أول من نشر استعمال الأتاي ، ويحكى أن الأمير المختار ولد أحمد ولد عيده كان يحب الأتاي إلى درجة أنه كان يفرض على أتباعه أن يعطوه صحنا منه يوميا علاوة على الضرائب المعتادة( التمر..). وقبل الاحتلال الفرنسي لم يكن معروفا تماما في الجنوب، حيث لم ينتشر استعماله إلا في عام 1325ه(1907م). وكأي جديد أثار دخوله تخوفا في الأوساط المحافظة التي رأت فيه، كذلك، سببا لمصروف غير ضروري، وتضييعا للوقت وللمال ، وشهد عاما 1910-1911 فتاوى عديدة بشأنه..”(ص870).
ويضيف” أن أهل المقري، وهم أطباء مشهورون، يقولون إن الأتاي نافع في ثلاثة أوقات: بعد التعب، وبعد أكل اللحم، وفي”الخريف” ( فصل الأمطار). وفي أيامنا هذه يزعم بعض علماء البيضان أنه منذ انتشار استعمال الأتاي قل ظهور مرضين مقارنة بما مضى، هما: ذات الجنب(لِمْحَسْ، بالحسانية) والخراج الكبدي ( عذر الجوف، بالحسانية). (ص 870-871).ورغم هذه الأدلة الواضحة على استعمال الأتاي في موريتانيا في تلك الفترة فإن الكتابات الأخرى تدل على عدم انتشار استعماله حتى في المناطق ذات الصلات الوطيدة بسان- لوي( اندر). فالملازم بوريل Bourrel الذي بعثه فيديرب في مهمة في منطقة البراكنة عام 1860يقول:”عندما تضرب الخيام يعمد البيضان إلى الراحة حتى تنقضي ساعات الهجير، وهم في ذلك لا يحضّرون أي طعام وإنما يشربون اللبن الحامض الذي يمخضونه في الشكوة. وفي الصباح لا يتناولون غير الحليب، وفي الليل يحضرون طعاما حقيقيا يتكون من” إِيـﭭْــجَانْ” (sanglé ) والحليب. ويقضي الرجال الليل في السمر أمام الخيام أو يخرجون من الحي للتحدث في السياسة، وأثناء الحديث يكثرون من شرب الدخان”.وكذلك فإن النقيب فينسان لا يذكر الشاي في رحلته إلى آدرار عام 1860 مع أنه كان مصحوبا بالمترجم ولد ابن المقداد.