آراءموضوعات رئيسية
الفساد… من جدلية الطبيعة الإنسانية إلى شرط الإصلاح / عبد القادر محمد

في سياق حوارياتٍ فكريةٍ ممتعة ومفيدة مع معالي الوزير الوجيه والمثقف أحمد ولد سيدي باب – حفظه الله ورعاه – تطرّقنا إلى ظاهرة الفساد في أبعادها التاريخية والإنسانية والسياسية، وقد خلص في حديثه عنها إلى أنّ الفساد، بوجهيه الفردي والمؤسسي، ليس طارئًا ولا محليًّا، بل هو من طبيعة الإنسان في سعيه الدائم إلى المنفعة، وقد وُجد في كل المجتمعات والعصور، ولا يمكن القضاء عليه نهائيًا، وإن أمكن تطويقه وضبطه بمنظوماتٍ أخلاقيةٍ وقانونيةٍ فعّالة.
وأضاف – حفظه الله – أنّ هذا الإدراك لا يُبرّر العجز ولا يدعو إلى الاستسلام، بل يُحتم تبنّي مقاربةٍ واقعيةٍ تُوازن بين الوعي بالمحدودية والإصرار على الإصلاح.
فمكافحة الفساد واجبة وضرورية، غير أنّها لا ينبغي أن تُستعمل كستارٍ يُخفي إخفاقاتٍ أخرى أو كذريعةٍ لتصفية الخصوم السياسيين، كما لا ينبغي ان يكون الخطاب السياسي المتعلق به مناسبة أو ذريعة للعدمية ولعدم ذكر ما يتحقق من تقدم وانجازات يتعين تثمينها و تسليط الضوء عليها.
فالإصلاح الحقيقي لا يقوم على الخطاب الدعائي ولا على المزايدة الأخلاقية، بل انه يتجلى في الانجازات ويتطلب اختيار الكفاءات القادرة ومحاسبتها على أساس النتائج لا الولاءات، فالعمل أبلغ من القول، والدعاية مهما تكرّرت لا تُغني عن العمل الملموس.
وعطفًا على حديثه العميق عن ظاهرة الفساد، ستنادًا إلى رؤيته المتكاملة لتاريخ الدولة الموريتانية التي خدمها بثبات المؤمن بها، عدتُ إلى مراجعة عددٍ من المقالات والمنشورات التي كتبتُها في هذا الشأن، كان آخرها تعليقًا على تقرير محكمة الحسابات وما أثاره من نقاشٍ وطنيٍّ واسع حول الشفافية والمساءلة، فخلصتُ إلى جملةٍ من الأفكار يمكن اختصارها في ما يلي:
لقد سئم الرأي العام من الشعارات، وأصبح أكثر وعيًا بضرورة الأفعال الملموسة التي تُبرهن على جدية الإصلاح، فشرط النجاح في أي سياسةٍ لمكافحة الفساد هو بناء إدارةٍ مهنيةٍ قائمةٍ على الكفاءة، وتحسين الظروف الاقتصادية للمسيرين بما يضمن استقلالهم وكرامتهم، وتغيير الثقافة المجتمعية عبر التعليم والإعلام لتقدّس القناعة وتنبذ الثراء غير المشروع.
شهدت العشرية المنصرمة مقاربةً سياسية في مكافحة الفساد، بدأت بحماسٍ ودعايةٍ قوية، لكنها انتهت من دون نتائج تُقنع الرأي العام، لأنها ارتبطت في الأذهان بتغير الأنظمة وبالصراعات السياسية أكثر مما ارتبطت بمفهوم الإصلاح المؤسسي.
وفي مطلع العشرية الحالية، تمّ اعتماد المقاربة القضائية في سياق تحقيق اللجنة البرلمانية وما تلاه من ملفاتٍ كبرى أُحيلت إلى القضاء.
ورغم ما يتعين من احترامٍ لقرارات القضاء، فإنّ نتائجها النهائية لم تُقنع الرأي العام أيضًا، الذي ظلّ يرى فيها امتدادًا للتجاذبات السياسية نفسها، لا قطيعةً معها.
لا مجال اليوم للحديث عن الأمل في تلك المقاربات التي ارتبطت بالتحولات السياسية، بل في الإصلاحات الهيكلية الهادئة التي تم إنجازها، والتي ساهمت فعليًا في الحد من مظاهر الفساد في التسيير العمومي. ومن أبرز هذه الإصلاحات نظام الرشاد الذي مكّن من تعزيز مركزية الشفافية في إدارة الميزانيات العمومية، خصوصًا على مستوى الوزارات والمؤسسات ذات الطابع الإداري، فضلًا عن نشر تقارير محكمة الحسابات وما لذلك من أثرٍ في ترسيخ ثقافة الرقابة والمساءلة.
إنّ مثل هذه الإصلاحات الإدارية والمالية تمثّل مكاسب ينبغي تثبيتها وتطويرها بمهنيةٍ وهدوء، بعيدًا عن الصخب السياسي، فالفساد لا يُستأصل بالخطابات، بل يُحاصر بالمؤسسات، ويُردع بالقانون، ويُقلَّص عبر حكامةٍ رشيدةٍ تحصّن المال العام، وتربط المسؤولية بالنتيجة، وتُعيد للدولة مصداقيتها في عيون مواطنيها.
وفي نهاية المطاف، سيظلّ معيار النجاح في أي إصلاحٍ هو قدرته على الانتقال من الوعود إلى الأفعال، ومن الشعارات إلى الإنجاز، لأنّ العمل وحده هو البرهان الصادق على الإرادة، ولأنّ دولة القانون و المؤسسات تُبنى بالنتائج الملموسة لا بالنيات، ولا بكثرة الكلام، وكما يقول إخوتنا “لكور”: «كلم كلم ماه معلوم».
عبد القادر ولد محمد.
وأضاف – حفظه الله – أنّ هذا الإدراك لا يُبرّر العجز ولا يدعو إلى الاستسلام، بل يُحتم تبنّي مقاربةٍ واقعيةٍ تُوازن بين الوعي بالمحدودية والإصرار على الإصلاح.
فمكافحة الفساد واجبة وضرورية، غير أنّها لا ينبغي أن تُستعمل كستارٍ يُخفي إخفاقاتٍ أخرى أو كذريعةٍ لتصفية الخصوم السياسيين، كما لا ينبغي ان يكون الخطاب السياسي المتعلق به مناسبة أو ذريعة للعدمية ولعدم ذكر ما يتحقق من تقدم وانجازات يتعين تثمينها و تسليط الضوء عليها.
فالإصلاح الحقيقي لا يقوم على الخطاب الدعائي ولا على المزايدة الأخلاقية، بل انه يتجلى في الانجازات ويتطلب اختيار الكفاءات القادرة ومحاسبتها على أساس النتائج لا الولاءات، فالعمل أبلغ من القول، والدعاية مهما تكرّرت لا تُغني عن العمل الملموس.
وعطفًا على حديثه العميق عن ظاهرة الفساد، ستنادًا إلى رؤيته المتكاملة لتاريخ الدولة الموريتانية التي خدمها بثبات المؤمن بها، عدتُ إلى مراجعة عددٍ من المقالات والمنشورات التي كتبتُها في هذا الشأن، كان آخرها تعليقًا على تقرير محكمة الحسابات وما أثاره من نقاشٍ وطنيٍّ واسع حول الشفافية والمساءلة، فخلصتُ إلى جملةٍ من الأفكار يمكن اختصارها في ما يلي:
لقد سئم الرأي العام من الشعارات، وأصبح أكثر وعيًا بضرورة الأفعال الملموسة التي تُبرهن على جدية الإصلاح، فشرط النجاح في أي سياسةٍ لمكافحة الفساد هو بناء إدارةٍ مهنيةٍ قائمةٍ على الكفاءة، وتحسين الظروف الاقتصادية للمسيرين بما يضمن استقلالهم وكرامتهم، وتغيير الثقافة المجتمعية عبر التعليم والإعلام لتقدّس القناعة وتنبذ الثراء غير المشروع.
شهدت العشرية المنصرمة مقاربةً سياسية في مكافحة الفساد، بدأت بحماسٍ ودعايةٍ قوية، لكنها انتهت من دون نتائج تُقنع الرأي العام، لأنها ارتبطت في الأذهان بتغير الأنظمة وبالصراعات السياسية أكثر مما ارتبطت بمفهوم الإصلاح المؤسسي.
وفي مطلع العشرية الحالية، تمّ اعتماد المقاربة القضائية في سياق تحقيق اللجنة البرلمانية وما تلاه من ملفاتٍ كبرى أُحيلت إلى القضاء.
ورغم ما يتعين من احترامٍ لقرارات القضاء، فإنّ نتائجها النهائية لم تُقنع الرأي العام أيضًا، الذي ظلّ يرى فيها امتدادًا للتجاذبات السياسية نفسها، لا قطيعةً معها.
لا مجال اليوم للحديث عن الأمل في تلك المقاربات التي ارتبطت بالتحولات السياسية، بل في الإصلاحات الهيكلية الهادئة التي تم إنجازها، والتي ساهمت فعليًا في الحد من مظاهر الفساد في التسيير العمومي. ومن أبرز هذه الإصلاحات نظام الرشاد الذي مكّن من تعزيز مركزية الشفافية في إدارة الميزانيات العمومية، خصوصًا على مستوى الوزارات والمؤسسات ذات الطابع الإداري، فضلًا عن نشر تقارير محكمة الحسابات وما لذلك من أثرٍ في ترسيخ ثقافة الرقابة والمساءلة.
إنّ مثل هذه الإصلاحات الإدارية والمالية تمثّل مكاسب ينبغي تثبيتها وتطويرها بمهنيةٍ وهدوء، بعيدًا عن الصخب السياسي، فالفساد لا يُستأصل بالخطابات، بل يُحاصر بالمؤسسات، ويُردع بالقانون، ويُقلَّص عبر حكامةٍ رشيدةٍ تحصّن المال العام، وتربط المسؤولية بالنتيجة، وتُعيد للدولة مصداقيتها في عيون مواطنيها.
وفي نهاية المطاف، سيظلّ معيار النجاح في أي إصلاحٍ هو قدرته على الانتقال من الوعود إلى الأفعال، ومن الشعارات إلى الإنجاز، لأنّ العمل وحده هو البرهان الصادق على الإرادة، ولأنّ دولة القانون و المؤسسات تُبنى بالنتائج الملموسة لا بالنيات، ولا بكثرة الكلام، وكما يقول إخوتنا “لكور”: «كلم كلم ماه معلوم».
عبد القادر ولد محمد.



