كتاب عرب
يوميات صائم: إنا كفيناك المستهزئين / محمد رياض العشيري
لم يكن في حياة من كفروا برسالة محمد عليه السلام ورفضوها – كما تصورها آيات القرآن الكريم في سورة الحجر – شيء روحي، فهم ينكبون على الأكل والمتعة، ولا يؤمنون إلا بالأمور المادية. وتخاطب آيات السورة النبي الكريم قائلة: (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون: ٣)
وهم بسبب هذه الطبيعة المادية التي تفتقد إلى الروحانيات يتخيلون أن الرسل لا يمكن أن يكونوا إلا ملائكة. ويقولون للنبي: (لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين: ٧). ويرد عليهم القرآن مهددا (ما ننزل الملائكة إلا بالحق، وما كانوا إذا منظرين: ٨)، فالملائكة لا ينزلها الله تعالى إلا لتنفيذ أمره، ولو أنزلها الله عليهم كما يطلبون لكانوا من المهلكين.
ويسخر مشركو مكة من النبي الكريم ويتهمونه بالجنون: (وقالوا يا أيها الذي نزّل عليه الذكر إنك لمجنون: ٦). وهم لا يقدحون في عقله عليه السلام، لكنهم يتهمونه بالجنون إن تصور أنهم سيؤمنون به وبرسالته وهو بشر، ويَدَعُوا في سبيله آلهتهم التي ظلوا لها عابدين.
وفي آيات السورة تصوير حي لعناد المشركين، الذي أضحى طبعا من طباعهم، وأصبح معه انصياعهم للدعوة أمرا ميؤوسا منه: (ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون، لقالوا إنما سُكّرت أبصارنا، بل نحن قوم مسحورون: ١٤-١٥).
وحتى لا تضعف عزيمة النبي الكريم، بسبب ما يقولون، ولا يضيق صدره – والله تعالى يعلم بما يساوره – (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون: ٩٧) يطمئنه جل شأنه بأنه حسبه، ويتولى حسابهم: (إنا كفيناك المستهزئين: ٩٥) في حياتك، ويوم القيامة: (فوربك لنسألنهم أجمعين، عما كانوا يعملون: ٩٢-٩٣).
وفي السورة الكريمة آية مصورة للمجتمع الذي عايشه نبينا الكريم عليه السلام: حيث تتباهي فيه ثلة قليلة بالثراء والسلطة. وقد تجتذب النعمة التي كانت تحيى فيها هذه الثلة عيون الآخرين فيتمنونها، وربما ساور محمد هذا، وهو بشر. لكن الآية تنبهه إلى ما أنعم الله به عليه، ولم ينله أغنياء قومه: (لقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم: ٨٧). فقد شرف الله نبيه الكريم بهذا القرآن العظيم، ولا تساوي النعم التي يتمتع فيها أغنياء قومه شيئا أمامه: (ولا تمدنّ عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم: ٨٨).
والأولى أن تثير حالهم الشفقة، إذ إن متاعهم إلى زوال. وربما أحس محمد عليه السلام بشيء من هذا في قلبه، فهم قومه، لكن القرآن يخفف عنه قائلا: ليس هناك مدعاة لأن تحزن فهم مصرون على العناد: (ولا تحزن عليهم: ٨٨).
وتدعو آيات السورة النبي إلى التحلي بالصفح: (فاصفح الصفح الجميل: ٨٥)، ولين الجانب: (واخفض جناحك للمؤمنين: ٨٨).
ثم تذكرنا السورة بمهمة النبي الأساسية التي ينبغي أن يعلنها لقومه: (وقل إني أنا النذير المبين: ٨٩). وهو بأداء هذه المهمة مأمور، مهما كان رد فعل المشركين: (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين: ٩٤).
وتختتم السورة بقسط من التربية الروحية له عليه السلام يتمثل في تسبيح الله تعالى والسجود له وعبادته جل شأنه: (فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين: ٩٨-٩٩).