(أنوار) العنسي في القاهرة في بانوراما ثقافية يمنية شاملة/ السفير علي محسن حميد
21 فبراير 2023، 02:08 صباحًا
أصدر الأديب والصحفي القدير الأستاذ أنور العنسي كتابين هما “مبدعون من اليمن” وطبعة ثانية مزيدة من كتابه “مرايا الأزمنة”،وغمرنا بأنواره الثقافية في القاهرة في أمسيتين رائعتين غير مسبوقتين الأولى في السفارة اليمنية في 3 فبراير 2023 التي تحدثت فيها كوكبة يمنية تمثل زبدة المثقفين الهاربين من الحرب الذين رشّوا ومعهم الناقد المصري د. إبراهيم موسى أنور بثنائهم على إنجازه الإبداعي – الأدبي الأنيق فكراً ومضموناً ولغة ، وعلى دوره الآسر كإعلامي مثابر كان النجاح رفيقه منذ أن بدأ عمله في الصحافة الأدبية وفي التليفزيون بصنعاء، ومروراً باديس ابابا” الزهرة الجديدة” ونيروبي كمراسل متجول ، ثم محطته الحالية غير الأخيرة في فضائية البي بي سي- عربي في لندن التي تتطلب كسر تحديات مهنية وجدارة وكفاءة عالية في الأداء ، وأيضاً الاستقامة المهنية بقيودها وما تتيحه من حرية.
وظيفته هذه جددت فرصته في صقل شخصيته وفي نفس الوقت لم تؤثر على قناعاته أو تخصم من هُويته وهمومه ويمنيته وظل أنور هو هو، ولم ينصهر أو يذوب في شعاب البي بي سي ولم ينس وطنه ومحنه وتطلعات شعبه الدائمة الانكسار والتراجع رغم تضحياته الكبرى التي لاتبزها سوى تضحيات الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفر نسي. هذه التضحيات لم تترجم حتى اليوم في إنجازات ذات معنى وديمومة وقابلة للنمو والتجديد.
ad
إختار أنور الهجرة طواعية إلى حدما ، ولكفاءته وخبرته وإجادته للغة الانجليزية بجانب تفوقه اللغوي في لغته الأم وثقافته الرفيعة احتضنته البي بي سي للخدمة فيها وليخدم نفسه ووطنه في ذات الوقت، والبي بي سي كما نعلم لاتعرف الأبواب الدوارة، ولا المجاملات ولا المحسوبية فالجدارة أساس نجاحها ونجاح من يعمل فيها.
عاش أنور ولايزال يعيش مع بي بي سي قصة عشق مهني نشاهد بعضاً منه أو نصغي إليه من حين إلى آخر بعقول مفتوحة، ولكننا كيمنيين نتخذ أحياناً وظيفة الرقيب عليه وحده وليس سواه من زملائه لأنه منا ونحن منه ويهمنا تألقه ونجاحه والبناء على نجاحاته المتراكمة السابقة.
أنور في فضائية البي بي سي- عربي لم يأت من فراغ لأن له بصمات في مؤسسات إعلامية يمنية ودولية عمل لديها في صنعاء واديس ابابا ونيروبي وغيرها وهو بالقطع إضافة نوعية مثمرة كأول صحفي يمني يعمل في البي بي سي وهو محل تقدير وافتخار اليمنيين وثنائهم.
إن كونه يمنيا يلقي عليه عبئاً أكبر من غيره من زملائه العرب ويدفعه شاء أم أبى إلى الحرص على التفوق وعدم التعثر ورفض نصف النجاح وأن يثبت جدارته كيمني أولاً وكأنور العنسي ثانياً بمواكبته لكل جديد في مهنة الإعلام التي تتطور وسائلها بشكل صاروخي.
لقد انتابني في نفس العاصمة ذات نفس الهاجس وواجهت نفس التحدي كدبلوماسي يمني عندما كنت سفيراً للجامعة العربية في بريطانيا حتى سنوات قليلة قبل وصول أنور إليها والعمل بها وزاد منه أن السيد عمرو موسى الأمين العام الجديد للجامعة العربية آنذاك سأل بمقر الجامعة فور تسلمه مهمته فيها في مايو 2001 من هو (علي محسن) وقد خصني وحدي بهذا السؤال من بين كل سفراء الجامعة العربية، ولم يكن ليسأل هذا السؤال لو لم أكن يمنياً وأعمل في لندن، وقد تأكد لي أثناء إحدى زياراته للندن أهمية لندن لديه كعاصمة عالمية ثانية بعد واشنطن قوله بشجن “آه من لندن” وكأنه كان يعبر عن رغبة دفينة للعمل بها قبل أن يصبح أمينا عاما للجامعة.
خاطب أنور في أمسيتيه الناجحتين نخباً هاجرت قسراً من وطنها بسبب حرب لاناقة لها ولا لشعبها فيها ولا جمل وبعيدة كل البعد عن مصالحه وخاصة أنه كان على وشك أن يلج مرحلة تحول واعدة بعد ثورة الشباب السلمية الشعبية والتغيير السياسي المتواضع جداً أو الشكلي بالأحرى في نوفمبر 2011 ثم فبراير 2012 بالقياس إلى تطلعات وتضحيات الأغلبية الشعبية التي قامت بأول ثورة شعبية في تاريخ اليمن السياسي عام 2011، وماتلاهما من توافق وطني على استراتيجية للبناء والمصالحة جسدتها مخرجات الحوار الوطني وأفسدتها المبادرة الخليجية.
هذه النخب المهاجرة المتنوعة المشارب حيل بينها وبين البقاء في وطنها للمساهمة في بنائه وفضلت البعد عن صراعاته الصفرية و اتخذت من مصر ليس فقط ملاذاً آمناً بل وطناً حاضناً وحانياً ، و حولت القاهرة إلى عاصمة للثقافة اليمنية بشتى فنونها سواء كانت فناً تشكيلياً في دار الأوبرا لشباب وشابات في الغالب أو عروض أزياء في قصر عابدين ( الملكي) الذي نظمته وعلى نفقتها (مها الخليدي) وأختها ، وهنا لاشك أن السجينة عارضة الأزياء اليمنية (انتصار الحمادي) لو علمت وهي في سجنها الكئيب والمحبط لتطلعاتها والقاتل لمهنتها ستغبط مها الخليدي وأختها على الحرية التي تنعمان بها في القاهرة.
إنتصار التي تطلعت إلى تعريف العالم بالأز ياء اليمنية كأحد عناصر الثقافة والهُوية وامتنهت مهنة العارضة كمهنة لا غبار عليها ولاعيب فيها في كل دول العالم ولاتثير لا الفضول ولا الريبة ولكن بدلاً من تشجيعها وتكريمها ها هي تجازى بسجنها ظلماً لخمس سنوات ، وللأسف كان يتوقع إطلاق سراحها عند نظر القاضي لقضيتها في فبراير 2023 ولكنه للأسف قام بتثبيت العقوبة وهدد بتشديدها عندما عبرت انتصار بأدب جم عن اندهاشها من موقفه الذي لايمت للعدالة بصلة.
ومما لايمكن إغفال التنويه عنه أن في مصرنا غزت فرقة يمنية دار الأوبرا المصرية العريقة وتألقت فيها بألحان وأغانٍ يمنية بمشاركة فرقة مصرية في عزف مشترك لأشهى وأشهر الألحان و الأغاني اليمنية وأعذبها يقودها المايسترو اليمني محمد سالم القحوم. وفي الأوبرا تسعد برؤية الستارة الصنعانية التي أصبحت رمزاً للأنثى اليمنية خارج اليمن ومن الأوبرا أطلت علينا سيدة يمنية باللثام الصنعاني تضرب بأناملها “التنكة” أي الصفيحة التي كانت أداة موسيقية فيما مضى ولم تعد تستخدمها سوى الفرق الفنية اليهودية اليمنية في فلسطين المحتلة. وبمصاحبة الفرقة المشتركة يشدو في الأوبرا الفنان حسين محب وعبدالرحمن السماوي وعازف المزمار بلباسه الوطني وقامته العملاقة الواثقة وسمرته الحضرمية وقبل هؤلاء جميعا شنّف أسماعنا المايسترو أحمد فتحي والفنانة القديرة بلقيس فتحي.
في الأوبرا شاهدنا مالم نكن نتصوره، اللباس الوطني من زنة( جلابية) وجنبية وكَمَر ومِعوَز وفنان شعبي مصري يمثل مع فرقته فن صعيد مصر وهو يردد “مصر واليمن طول عمرهم إخوات”.
وفي مساء 5 فبراير استمتعنا بأمسية (أنوارية) ثانية للعنسي في قاعة مؤسسة براديس الثقافية لإطلاق مؤلف أنور ” مرايا الأزمنة” في طبعته الثانية المزيدة وفيها تألقت أنوار أنور مجدداً ولم يكن الحضور يمنياً فقط إذ شارك في المنصة الروائية اليمنية سهير السمان والصحفي المصري محمد الحمامصي وسعد الجميع بحضور النائب البرلماني ونائب حزب التجمع الوحدوي التقدمي المصري الأستاذ عاطف المغاوري والكاتب التنويري نبيل عبد الفتاح مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
في الأمسيتين تبين عمق تواصل أنور مع المثقفين اليمنيين والمصريين بشتى أطيافهم السياسية والفكرية ومدى ارتباطه بوطنه الأول واهتمامه بقضاياه.
وختاما فقد ضغط متحدثان في الأمسية الأولى على وترين حساسين وهما أن اختلاف اليمنيين لايعني إلغاء الآخر وأن المساس بالسيادة اليمنية خط أحمر.