في مواجهة الزيادة السكانية.. مصر تقول للأُسر الفقيرة “اتنين كفاية”
سوهاج (مصر) (رويترز) – تأمل نسمة غانم في إنجاب طفل رابع على الرغم من أن طبيبها أبلغها بأن حالتها الصحية لا تتحمل مشاق الحمل في الوقت الحالي. وهي لديها ثلاث بنات تريد أن يكون لهن أخ.
وقالت نسمة (27 عاما) التي تعيش في قرية بمحافظة سوهاج صاحبة واحد من أعلى معدلات الإنجاب في مصر ”في المستقبل يقدر يساعد أبوه والبنات“.
تعتمد أسرتها على دخل زوجها من مقهى يعمل به. وقالت ”لو عندي ولد الناس هنا في القرية يقولوا إنه هيشيل (يحمل) اسم أبوه“.
ومع اقتراب عدد سكان مصر من 100 مليون نسمة تسعى الحكومة لتغيير عقلية المواطنين الراغبين في إنجاب كثير من الأطفال مثل نسمة.
وفي هذا الإطار أطلقت الحكومة حملة لتنظيم الأسرة عنوانها ”اتنين كفاية، وعلى القد مكسب بجد“ في محاولة لتغيير التقاليد المتجذرة في الريف المصري بشأن الأُسر الكبيرة.
وقالت راندا فارس، منسقة الحملة في وزارة التضامن المصرية، ”التحدي الأساسي إن أنتِ بتغيري فكر، تغيير الفكر صعب“.
وينمو سكان مصر بمعدل 2.6 مليون نسمة سنويا، وهذا معدل مرتفع لبلد يعاني من ندرة فرص العمل وتكدس المدارس والمستشفيات.
ويقول الرئيس عبد الفتاح السيسي إن أكبر خطرين على مصر هما الإرهاب والزيادة السكانية.
وقالت غادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي لرويترز ”نواجه ندرة في موارد المياه… ندرة في الوظائف، خلق فرص العمل، نحن في حاجة للسيطرة بشكل فعلي على هذا النمو السكاني حتى يشعر الناس بفوائد التنمية“.
وقبل عقود كان لدى مصر برنامج لتنظيم الأسرة، بدعم من الولايات المتحدة. وهوى معدل خصوبة المرأة المصرية من 5.6 طفل لكل امرأة عام 1976 إلى ثلاثة أطفال في 2008 في حين ارتفع استخدام وسائل منع الحمل من 18.8 في المئة إلى 60.3 في المئة. ووفرت السلطات كميات هائلة من وسائل منع الحمل وزادت الإعلانات التي تحث على الحد من المواليد.
وقال دوف جيلسبي، مدير مكتب السكان التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في الفترة من 1986 إلى 1993 إن دعم الحكومة المصرية لتنظيم الأسرة والمبالغ الكبيرة التي قدمتها جهات مانحة ساعد في إنجاح البرنامج.
ولأن مصر كانت تعتمد على دعم المانحين، تم إهمال تنظيم الأسرة عندما توقف هذا الدعم. وارتفع معدل الإنجاب إلى 3.5 طفل لكل امرأة عام 2014. وعادت الولايات المتحدة مجددا لدعم تنظيم الأسرة في مصر، وقدمت أكثر من 19 مليون دولار لمشروع مدته خمس سنوات حتى عام 2022 و أربعة ملايين دولار لمشروع أصغر للقطاع الخاص ينتهي في 2020.
وتقل هذه المبالغ كثيرا عن 371 مليون دولار أنفقتها الولايات المتحدة على تنظيم الأسرة في مصر بين عامي 1976 و2008.
وتقول وزارة التضامن الاجتماعي إن حملة ”اتنين كفاية“ تستقي التمويل بشكل أساسي من أموال مصرية، حيث تنفق الوزارة 75 مليون جنيه مصري (نحو 4.27 مليون دولار) بينما تسهم الأمم المتحدة بمبلغ عشرة ملايين جنيه.
وتستهدف الحملة التي تستمر عامين أكثر من 1.1 مليون عائلة فقيرة لديها ما يصل إلى ثلاثة أطفال. ودربت وزارة التضامن ومنظمات أهلية محلية متطوعين للقيام بزيارات للمنازل وتشجيع المواطنين على إنجاب عدد أقل من الأطفال.
وقال محمود فرج أبو خضرة، مدير حملة اتنين كفاية في جمعية الهلال الأحمر المصري ”(كثرة الإنجاب) نتيجته التسرب من التعليم، أطفال الشوارع، العمل في الورش، كل ده له أضرار صحية على الطفل المصري في الأسرة، إنما الأسرة اللي بتجيب طفلين بتبقى قادرة، مستوعبة كويس، يتعلم كويس، يأكل كويس، يتعالج كويس، يشرب كويس“.
ووُجهت دعوات لأمهات لحضور ندوات تحدث فيها وعاظ عن إباحة الإسلام لتنظيم الأسرة، ويجيب فيها أطباء على أسئلة الحضور.
وتروج لوحات إعلانية في الشوارع وإعلانات يبثها التلفزيون للأسر الصغيرة. وتسعى الحكومة إلى خفض معدل الإنجاب الحالي من 3.5 طفل إلى 2.4 بحلول عام 2030.
وفي جلسة لتعليم المتطوعين كيف يتحدثون إلى الأمهات والآباء بشأن تنظيم الأسرة في قرية بالجيزة، أبلغت متطوعة تدعى أسماء محمد (25 عاما) رويترز بأنها تود أن تنجب ثلاثة أطفال لا اثنين عندما تتزوج.
وقالت ”من وأنا طفلة كنت عاوزة (أريد) أخلف (أنجب) ثلاثة“.
ويرجع وجود الكثير من الأسر الكبيرة في مصر إلى التقاليد المتوارثة إضافة إلى غياب التعليم. ويؤيد الأزهر تنظيم الأسرة لكن ليس كل المصريين يتفقون معه بهذا الخصوص.
فالبعض يعتبر الأطفال مصدر دعم مستقبليا. ويستمر آخرون ممن لم يرزقوا إلا بإناث في الإنجاب حتى ينجبوا ذكرا يحمل اسم العائلة.
وخلال زيارة لمتطوع من حملة ”2 كفاية“، قالت نسمة غانم إن أمنيتها إنجاب ذكر ليست السبب الأساسي لتوقفها عن استخدام وسائل منع الحمل، وإنما إصابتها بنزيف.
ويقول صندوق الأمم المتحدة للسكان إن واحدة من كل ثلاث مصريات تتوقف عن استخدام وسائل منع الحمل في غضون عام وذلك يكون، في الغالب، بسبب معلومات خاطئة بشأن الآثار الجانبية أو عدم توفر معلومات بشأن البدائل.
وقال رب أُسرة من الفيوم يدعى هاني سيد عادل ”التوعية كتيرة، مش عاوزين يخلفوا (ينجبوا) بس تنظيم الأسرة الوسائل مش كويسة، يعني أي حاجة وسيلة مش كويسة، يعني مثلا بتعمل أعراض وبيروحوا المستشفيات… وبرضه (أيضا) هو هو العيب، تأخد الوسيلة وتخلف، طب هو هيوديه فين، ولا هي هتوديه فين؟. طيب جوزها (زوجها) هيقول لها سقطي (اجهضي) هي بقه تسقط، ولا ترضي تخش في الحُرمانيات بقه؟ ما هو كده هيبقى حرام. بس“.
وتفيد بيانات رسمية صادرة عام 2014 أن قرابة 13 في المئة من المتزوجات في سن الإنجاب بمصر يرغبن في استخدام وسائل لمنع الحمل لكنهن لا يستطعن ذلك.
وفي الوقت الراهن حدثت الحكومة عيادات تنظيم الأسرة وأضافت موظفين ووفرت المزيد من وسائل منع الحمل المجانية. وتستهدف الحكومة إنشاء وتشغيل 70 عيادة جديدة في مارس آذار.
لكن عندما زارت رويترز عيادة في سوهاج الشهر الماضي، لم تكن هناك وسائل لمنع الحمل. وأبلغ القائمون على العيادة نعمة محمود، التي سافرت من قريتها إلى المحافظة، بأن تعود في اليوم التالي.
وبسوهاج، إحدى أفقر المحافظات المصرية، واحد من أعلى معدلات الإنجاب في مصر. وقال المجلس القومي للسكان إن سوهاج هي أقل محافظة استخداما لوسائل منع الحمل في المحافظات الست التي أجرى مسحا فيها بشأن تلك المسألة.
ولم تستخدم نعمة (33 عاما) وسائل منع الحمل بانتظام منذ سنوات حتى في ظل رغبتها في أن تكون لديها أسرة صغيرة. وقالت إن حماتها منعتها من السفر إلى المدينة للحصول على تلك الوسائل عندما نفدت في العيادة المحلية.
ولم تبدأ استخدام وسائل منع الحمل إلا بعد وفاة حماتها. وبحلول ذلك الوقت كانت نعمة قد أنجبت ثلاثة أطفال وفقدت حملها ثلاث مرات.
وقصرت الحكومة منذ يناير كانون الثاني مساعداتها المالية على الأسر الفقيرة التي لديها طفلان، بدلا من التي لديها ثلاثة أطفال، وذلك في محاولة لحث الأُسر على إنجاب عدد أقل من الأطفال. وقالت نعمة إن زوجها لا يعمل سوى بضعة أيام في الشهر ويكسب في اليوم الواحد 45 جنيها (2.60 دولار).
قالت نعمة وجارتها سناء محمد (38 عاما)، وهي أم لثلاثة أطفال، إن التغيير يجب أن يتم تطبيقه على الأسر الجديدة لا على نساء مثلهما استفدن بالفعل من البرنامج ولديهن أكثر من طفلين.
وقالت سناء ”مش (ليس) عدل إنك تدي (تعطي) حد (شخص) حاجة وتاخدها منه تاني (مرة أخرى)“.
وترى الحكومة أن الزيادة السكانية تمثل تهديدًا لخطط الإصلاح الاقتصادي. ففي كل عام يدخل 800 ألف شاب مصري سوق العمل بينما تشير الأرقام الرسمية إلى أن نسبة البطالة تبلغ عشرة في المئة.
ويقول ماجد عثمان الرئيس التنفيذي للمركز المصري لأبحاث الرأي العام (بصيرة) إن معدل النمو السكاني في مصر يبلغ نحو نصف معدل النمو الاقتصادي في حين يتعين ألا يتجاوز الثلث، وإلا فإنه يكون من الصعب الاستثمار في البرامج الاجتماعية وتحسين مستويات المعيشة.
ويقول محللون إن مصر يجب أن تستهدف المواطنين قبل أن ينجبوا أطفالا وأن يكون التعليم الجنسي متاحًا في المدارس.
وقالت عبلة عبد اللطيف، المديرة التنفيذية للمركز المصري للدراسات الاقتصادية، ”(حملة) اتنين كفاية جيدة لكنها في حد ذاتها لن تنجز المهمة“.
تزوجت وفاء محمد أمين (36 عاما)، وهي أم لأربعة أطفال وتعمل في حملة ”اتنين كفاية“، قبل 17 عاما وأنجبت أول أطفالها بعد عام. وأصيب اثنان من أطفالها بسوء التغذية لأنها لم تعرف كيف ترضعهما بشكل صحيح. واضطرت لتأجيل تعليمها ولم تستطع العمل لسنوات.
وقالت ”فيه حاجات كتيرة عارفاها الوقت (الآن) كنت أتمنى أعرفها وقتها… مش عاوزة (لا أريد) غيري يشوف اللي أنا شفته“.
91 تعليقات