أعطيني كرت نتغد بيها…!/ ذاكو وينهو ( المرتضى محمد اشفاق)
في نهاية الفصل الأول من سنة 2014 استدعت وزارة التهذيب هيئات التأطير من مديرين جهويين ، و مفتشي مقاطعات ، و مديري مؤسسات التعليم الثانوي إلى انواكشوط ، و انضم إليهم المديرون المركزيون و المستشارون و المكلفون بمهام للتشاور و الاستعداد لإنجاز وعد الرئيس ، بدأت التعليمات غبية من أول يوم حين أبلغونا بلزوم (التكباط)…
أقبل أهل الداخل ممن لا معارف يعيرونهم بذلات مدنية على بالوطات فوكوجاي ، و الألبسة الجاهزة في دهاليز آفاركو…
اجتمع المدعوون في فندق وصال ، تغيب صاحبنا عن افتتاح الملتقى و الكلمات الرسمية للوزير و أعوانه …كانت فرصة لعناق أحبة فرقتهم ظروف العمل طويلا ، انتشرت رائحة الألبسة المستهلكة المتمنعة روائحها على الغسيل ، و العطر الرخيص الفائح من أجنحة البعض…
أنا و بعض الزملاء نتقاسم قبحا أليفا ، تبخل علينا رواتبنا الزهيدة بالتفكير في انتفاضة سلمية للتخلص من المساحات المعتمة على الوجوه ، ومن تصلب الأصابع وهي تقاتل بالطباشير المغشوشة على الجدران المتصدعة العازلة للطلاء المنتهي الصلاحية أحيانا كثيرة…و كيف لا نكون أمة بائسة و نحن على جلال مهمتنا ، نعيش حالة ازدراء ، و حرمان ، و تفقير مستمرة ، تتوارثها الأنظمة المتعاقبة على حكم البلاد…
كنت ترى بعضنا في البنطلون الكوبي ، و بعضنا في القميص الصيني ، و فريقا آخر في المعاطف الماليزية …
خرجت رئيسة الجلسة ذلك الصباح لبعض شأنها ، فاعتلى المنصة مسؤول كبير في وزارة التهذيب لعله صاحب الرتبة الثالثة ، و قال يا قوم اعلموا أني أنا هو “الشيخ” لكن نظرا لأن فلانة امرأة و أسن مني تخليت لها عن الرئاسة …كان ذلك أول غبار العاصفة…
خرجنا إلى فضاء استراحة ، و فوجئت بالناس تتزاحم على طاسات و ملاعق كبيرة ، فهمست في أذن زميل مستفسرا ، أنا رجل من أهل البادية و ماضوي ، ما هذا…
جاء التوضيح سريعا من انتظام القوم في طابور مختلط .. الرجال يتعثر كثير منهم في سراويل داكنة تذوب سوقهم في فضائها المنتفخ ، بينما احتضنت بعض السراويل أفخاذ آخرين في التصاق شديد حتى لتكاد ترى من شدة الضم و الشد تضاريس الجسد ، و تفاصيل جغرافيته ….
النساء فئتان ، شابات حديثات عهد بتسمية يغرقن في زينة وقحة ، تبدو خطوط رسم الحناء على ظهور أيديهن كلوحة لعبة “سيس” ، خفيفات ، ملولات ، لا يصبرن على ورشة ، و فئة تصارع بجهد آثار شيخوخة تتكشف في استحياء ، تقتحم بمكر ما أقمن من متاريس التلميع و الزينة المقهورة على إقامة بالإكراه على سوح وجوه لم تستطع امتصاص حطام الليالي و الأيام ، لكنهن هادئات مقتنعات أن ما يحملن من أمتعة الجمال لم يعد يجيد الثبات على راحلة الجسد…
شعرت بيد صديق تدفعني و تفسح لي مكانا في الصف…لكنني لا أحمل آنية العلف ، و لما تبين تغفلي قال هذا#أوتوسرفيس# كل يأخذ من الطعام ما يروق له ، أو يستعين بمراهقين يشرفون على أحواض العلف المائع ، ذكرني المشهد بضحايا اتسونامي الهند الذين تولت “منظمة إنسانية” توزيع الوجبات عليهم في أوان مشابهة ، و طوابير مماثلة ….
انسحبت في هدوء ، و علا لغط الاستجداء ، و توسل البعض للمراهقين بزيادة حصصهم من علف الآدميين المنكوبين ب (اتشرشيف) و بظاهرة التقليد المخل و المختل لمدنية ما زالت تشترط كثيرا من النجر و التقويم على أجسامنا و أفكارنا ….
امتلأت القاعة من شخصيات غير معنية بالملتقى ، عرفت بعضها و أعرضت عن بعض ، في بذلات أنيقة ، و شعور مصفوفة تشي بطول وقوف أمام المرآة ، نعم نحن نطيل الوقوف أمام المرآة لأننا ننتظر المنتظر الذي لا يأتي ..
لم أستغرب الأمر ، و قلت لعلهم رواد حكمة ، و باحثون عن فائدة ، و لله الأمر على كل حال…
في اليوم الموالي شكا الفندق من تجاوز عدد الحاضرين لعدد المسجلين المتفق عليهم أصلا ، و لا غرابة في أن يشكو الفندق ، فهو مؤسسة تجارية ربحية تتعامل بالدانق و مثقال الذرة…
اضطر المشرفون إلى توزيع بطاقات علف على المشاركين الرسميين ، و قيل : بعدا للطفيليين ، ارتفعت الجلبة و كثر الزحام ، فما راعني إلا مسؤولون كبار و صحفيون بارزون محرنجمون على المديرة يصيحون في استجداء مذل ، و استعطاف مخز : “المديرة أعطيني كرت نتغد بيها”.!
نجاني الله من السقوط في بركة السباحة التي خيل إلي أولا أنها فارغة لصفاء مائها ، فأنا لا أعرف إلا بركة المتوكل ، و كان الضحية زميلا حاول العبور إلى الشاطئ الآخر فتوهم أن قدمه تنزل على المربعات الأرضية ليهوي إلى القاع لولا أن تداركه بعض الجيرة و أنقذوه قبل أن يغيبه الطوفان… سمعت مداخلة لمدير إحدى ثانويات انواكشوط قال فيها كيف تخدعوننا بإصلاح التعليم و من بيننا في هذه القاعة مديرون مركزيون لا يملكون من المؤهلات سوى أنهم إخوة جنرلات ، و كيف ترجون أن تكون الأقسام في صورة مرضية و أنتم تحولون لنا “اشويبات صفر كيف أخراص اذهب كعاملات يدويات ، أثرهم ليهي يكبلو إبالو و لل إديرو الم في جركانات” فأجابه أحد المديرين قائلا ” يلغيثه يبوي نحن محولين ان اشيوخ قبائل مرترتين مايج منهم حد ماشلناه شور الطب طالعلو الضغط”..
اختتم الملتقى و قال الأمين العام إن الوزير سيستقبل كل من يرغب في ذلك و أن مسؤول المال ينتظر في مكتبه لتوزبع التعويضات…
حاولت إقناع بعض الزملاء برفض الذهاب إلى المدير المالي لأن الجماعة لا تنتقل إلى الفرد ، و أنه من الإهانة وقوفنا في طوابير أمام مكتب لاستلام تلك التعويضات ، لكنني قرأت سريعا شدة غبائي على صفحات وجوههم و هم يغادرون كأني لم أقل و كأنهم لم يسمعوا…
تسابق الناس إلى الخروج ، بعض إلى سيارته و قليل مثلي إلى سيارات الأجرة ، و أنا واقف أنتظر ناداني زميلي المدير الجهوي و طلب مني مرافقته إلى الوزارة في سيارته كرما ، و حسن خلق عودنيه مذ عرفته ، قلت له أنا لست ذاهبا إلى الوزارة ، قال لي ” انت اشواعد ؟ ” قلت له “آن واعد لخيام ” أما الوزير فلا حاجة لي به ، و أما “برديوم (التعويض المالي) ذاك املي ماني واعدو”…و الحمد لله رب العالمين…