من خارج الصندوق.. هذا اتجاه مسار “إسرائيل”/ فؤاد البطاينة
2 أبريل 2023، 22:54 مساءً
ملابسات الإضطرابات المؤسساتية والشارعية الواسعة وغير المسبوقة في الكيان المحتل هي علامة على أنه بدأ يدخل في مرحلة سياسية جديدة بلا محظورات، والكشف عن وجهه الحقيقي للعلن والذي تم إخفاؤه منذ عام 1948 حين أحجم زعماء الوكالة اليهودية عن كتابة دستور لكيانهم عند إقامته، حرصاً على إخفاء خبيثتين مترابطتين. هما، تحديد طبيعة “الهوية السياسية التوراتية ” للكيان تحاشياً للصراع ما بين العلمانية والعقدية. وذكر حدود جغرافية للكيان كي لا تنكشف أطماعهم في مهدها.
إلّا أن مستجدات هبطت على الكيان وجاءت سريعة في مقاس الزمن، أربكته وأربكت خططه المرحلية وأخذت تتفعل وتفتك به رغم احتسابه لها كأيجابيات. أبرزها اثنان، الأول، تدفق موجات المهاجرين لفلسطين من مختلف القوميات والجنسيات والثقافات تحت عنوان قانون العودة. وهؤلاء حضروا لغايات وأهداف مختلفة كلها شخصية أو متناقضة. والمهم هنا أن فكرة،،الوطن في فلسطين، ليست في حسابهم ولا تجمعهم، فهم يعرفون بأنها الكذبة الكبرى، إنما جمعهم ما يعتبرونه شركة استعمارية استثمارية مقاوله في فلسطين المحتلة ترأسها عصابة بالإنتخاب ويبحثون فيها عن مصالحهم الخاصة. أما المستجد الثاني فهو سيل التطبيع العربي المتعاون مع الكيان واحتلاله، الذي جاء مفاجئا له وفي غير مكانه وزمانه، وكان مردوده سيئا جداً على تلك الدول المطبعة، وعلى الكيان نفسه.
فالتشريعات القضائية الخطيرة جاءت نتيجة لتداعيات المستجدين المشار اليهما، حيث تضخم المجتمع الإستيطاني من خلفيات مختلفة أدت لظهور قيادات واستقطابات سياسية بثقافات وأهداف متمايزة وأبرزها ركاب موجة التطرف التوراتي، وتطور هذا في مناخ يشعر فيه الكيان بنشوة الغرور وبفراغ سياسي عربي وأنظمة مطبعة وطيِّعة وتنبذ المقاومة. وما يهمنا أن هذه التشريعات يختبئ خلفها اتجاهاً لتقنين طبيعة الكيان بالوجه التوراتي العنصري وتطويع الديمقراطية له، وبما يترتب على ذلك من ارتكابه لجرائم التطهير العرقي وتبرير احتلالات أخرى ومن فصل عنصري معلن وفتح صراع بين العلمانيين والتوراتيين.
وهو ما يعني أيضاً إعلان وممارسة أسباب تحاشي وضع دستور في عام 48 وإحضار مخاطرها دون كتابته، مما يفتح الباب ويهيئ الكيان لانقسامات واصطفافات وفتح صراع على السلطة والمكاسب وصنع فرص التهديد الوجودي له بانقسامات وتمردات في الجيش وتشكيل ميليشيات متنافسه ومافيات وصولا لحرب أهليه في كيان كله عسكر مسلحين. وهذا إن حدث بعضه سيؤدي إلى فقدان الشعور بالأمان وبالهجرة المعاكسة.
ad
فالحديث هنا هو البحث عن حقيقة المسار الذي يتجه ويسير إليه الكيان برمته من خارج الصندوق أو من وجهة نظر ثالثة بمعزل عن تأثير ودور المقاومة افتراضاً. فهل هو إلى زوال وكيف؟. هذا السؤال يتساوى مع سؤال هل نجد أمريكا يوماً باتجاه رفع الغطاء عنه ؟ وأقول بهذا من خارج الصندوق بأن الكيان المحتل ليس هو من يوجه أمريكا ولا قادر على التأثير عليها بل أمريكا تستخدمه، وأنه من الطبيعي أن الاستخدام ينتهي أو يُستنفذ، وعندها منطقياً فإن الاستمرار في عملية الاستخدام ترتد بالضرر على المُستخدِم وهو هنا أمريكا، ويصبح عليها أن توقف هذا الاستخدام. فقانون المنفعة الحدية العلمي في الإقتصاد يقضي بذلك. ونقول هنا بأن استخدام أمريكا للكيان في المنطقة العربية وصل لنهايته وأصبح يشكل ضرراً عليها. وأن رفع الغطاء عنه أصبح وارداً.
أما كيف. فلأمريكا مشروعها الاستعماري الإمبريالي حيويته الكبرى في المنطقة العربية. وأصبحت اليوم في وضع تبسط فيه سيطرتها العسكرية والسياسية عليها. والكيان في هذا كان وما زال حليفاً لها ولكن على خلفية مشروعه الخاص به في نفس المنطقة العربية ونجح في اختراقها بدعم أمريكا وعلى حسابها. واستقر اليوم حليفاً مكلفاً ومنافسا لها. وتعلم أي أمريكا بأنها لو رفعت الغطاء عن هذا الكيان لما بقي له وجود لا في المنطقة ولا في فلسطين. فتشكُّل القناعة لدى الأنظمة العربية بعدم القدرة على مواجهة الكيان ينبع من تبني أمريكا له، وعدم السماح بهزيمته، ورسخت معاداتها لمن يعاديه من أنظمة العرب إلى أن هرولت إليه. بمعنى لو رُفع الغطاء الأمريكي عن الكيان فلن يبق لمعظم الأنظمة المطبعة مصلحة(شخصية ) في التطبيع، وستوقفه.
فهل أمريكا تُفكر هكذا ؟ لماذا لا، وهي تعلم بأن الكيان يسعى لمصالحه ومشروعه في ذات المنطقة ويوغل بها، ويعزل مصالحه العليا عن مصالحها العليا، وتحالفه الإستراتيجي معها لم يردعه من إقامة العلاقات العميقة مع أعدائها ولا من التجسس عليها ولا من توريطها، ويستغلها حتى أصبحت ملزمة بشراء أسلحته. ناهيك عما يسببه تحيزها له من معاداة الشعوب العربية والإسلامية لها. ففي ميزان الربح والخسارة لم يعد لأمريكا مصلحة بالكيان تسوى، بل خسارة ومنافسة لها في ظرف دولي دقيق ومُشجع لأنظمة العرب على التخلص من الكابوس الأمريكي المفروض عليها بسبب الإنحياز الكامل للكيان. والسعودية مثال مرعب لها وسيُحتذى.
الأردن عصا الرحى في الصراع العربي الصهيوني ومكون أساسي فيما يطحنه الرحى وأولى بالإقتداء. فهو أكثر الأقطار العربية تعاملاً مع الكيان وأكثر المطبعين خسارة في تعامله معه. الأردن اليوم في أوج الخطر، لكن الظرف الدولي والإقليمي في أوج المواتاة له، والقطار لا ينتظر راكبا ولا التاريخ في قلبه عاطفة يرحم بها. لم يبق لدينا في الأردن ما نخسره، وليس غير الشر نتوقعه، فالإستدارة السياسية مطلب وطن وشعب وفيها النجاة للنظام الذي عليه أن يتذكر بأن غياب تأثير الشعب ونخبه هو من عمله القاهر ولا يُفسر بغير ذلك.