مسؤولية العالم إزاء إبادة قطاع غزة / منير شفيق
استمرار الهجوم الجوي لقصف أحياء كاملة من قطاع غزة، وقتل المئات -وأكثر أحيانا- من المدنيين يوميا، يجعل من المهم جدا أن تتضاعف المواقف والضغوط المختلفة، على كل المستويات السياسية والإعلامية والشعبية، لوقف هذا الإجرام المخالف للقانون الدولي الذي يجرّم قتل المدنيين، فكيف حين يصبح هذا القتل استراتيجية ثابتة، ومتواصلة من قِبَل جيش الكيان الصهيوني، وبمشاركة مباشرة عسكرية وسياسية، من جانب الإدارة الأمريكية، وتواطؤ عدد من الدول الأوروبية: بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا؟ وهو الأمر الذي يلقي المزيد من المسؤولية على شعوب العالم، ودوله ومؤسساته التي تعنى بحقوق الإنسان، وباحترام القانون الإنساني الدولي، واتفاقات جنيف.
هذا الذي يجري لا يسمّى عدوانا عسكريا، بقصد الاحتلال، فهو عمليات عسكرية إبادية متواصلة ضد المدنيين، والمباني السكنية، إلى المدارس والجوامع والكنائس والمستشفيات.
وهذا الذي يجري لا يسمى مجزرة، لأن المجزرة جريمة ترتكب ضد المدنيين، تتم في يوم واحد أو يومين، ولكن ما يجري هو مجزرة متواصلة، بلا تقطع، ليلا ونهارا ولأيام، وقد وصلت حتى الآن إلى ما يقرب الشهر، وهي متجهة للإجهاز على مليونين ونصف المليون من أهالي قطاع غزة، إلى جانب تسوية ما عمّر بالحجر مع الأرض.
الذي يجري لا يسمى مجزرة، لأن المجزرة جريمة ترتكب ضد المدنيين، تتم في يوم واحد أو يومين، ولكن ما يجري هو مجزرة متواصلة، بلا تقطع، ليلا ونهارا ولأيام، وقد وصلت حتى الآن إلى ما يقرب الشهر، وهي متجهة للإجهاز على مليونين ونصف المليون من أهالي قطاع غزة، إلى جانب تسوية ما عمّر بالحجر مع الأرض
وهذه العمليات العسكرية الإجرامية المتواصلة، ليلا نهارا، وبلا انقطاع، تجري على مرأى من العالم بأسره، وبكل ما فيه من شعوب ودول ورؤساء، وأحزاب وهيئات اجتماعية وأممية، مما يجعل العالم كله مسؤولا عن إدانتها، إدانة صارمة، ووقفها بكل الوسائل الممكنة. بل إن مسؤولية خاصة إضافية ملقاة على عاتق الدول العربية والإسلامية ابتداء من رؤسائها وحكوماتها، بأن تتحرك لفرض وقفها فورا.
طبعا ثمة مسؤولية مضاعفة على عاتق السلطة الفلسطينية ورئيسها، وحركة فتح في الضفة الغربية، لرفع اليد عن الشعب ليواجه عمليات الإبادة المستمرة المتواصلة التي يتعرض لها أهالي القطاع، مما يطلق الجماهير قوّة موحدة جبارة.
ثمة في قطاع غزة حربان يجب الفصل بينهما: الأولى الحرب التي تشنها المقاومة ضد الوجود الإجرامي اللا شرعي للكيان الصهيوني، والحرب البرية الدائرة منذ أسبوع في قطاع غزة بين الجيش الصهيوني والمقاومة. أما الثانية فهي المتمثلة في الهجوم الجوي الذي يستهدف قتل المدنيين، ومسح أحياء ومناطق بأسرها عن وجه الأرض. هذا الهجوم البري مؤيَّد ومُغطى من أمريكا التي تشارك فيه من خلال طائراتها، وما تحمله من قذائف مدمرة وفوسفورية، وغيرها من المحرّم دوليا.
من هنا يجب الفصل بين الحربين، ولو كان ثمة علاقة بين الثانية من جانب استهداف المدنيين من جهة، والحرب الأولى من جهة ثانية. ومع ذلك لا بد من الفصل بينهما، لأن الحرب الأولى تعني محور المقاومة ومؤيدي حركات التحرر الوطني، أما الحرب الثانية فتعني كل من يهمه في العالم احترام القانون الإنساني الدولي، واتفاقات جنيف في الحرب، والأهم تعني الإنسانية كلها التي تأبى القتل المتعمد للمدنيين نساء ورجالا وشيوخا وأطفالا. هذا ويفترض بكل دول العالم أو أغلبيتها الساحقة أن تكون معنية في وقف المجزرة المتواصلة، ليلا ونهارا، ضد الأهالي في قطاع غزة.
وهنا لا تقف المسؤولية الدولية والشعبية والإنسانية عند شجب قتل المدنيين بالجملة وإدانة مرتكبيه فحسب، وإنما أيضا اتخاذ كل الإجراءات الضرورية لوقفه، ابتداء من التظاهرات العالمية والمؤتمرات الدولية، وسحب السفارات لدى مرتكب الجريمة الأول: الكيان الصهيوني، والمقاطعة بأشكالها، وصولا إلى التدخل لوقف الطائرات التي تستهدف المدنيين على مدى 24 ساعة، وبصورة ممتدة ومتواصلة، حتى إبادة مئات الألوف من المدنيين في قطاع غزة.
أصبح من الواجب تشكيل تكتل عالمي من الدول التي تعتبر أن جريمة الإبادة -جريمة الحرب بحق مئات الألوف من المدنيين في قطاع غزة- لم تعد تُحتمل، ولا يجوز أن تستمر، ويجب وقفها بكل وسيلة. وهذا التدخل أصبح من مسؤولية دول كل العالم فرادى وتكتلات
هذا التدخل الواجب والمشروع حين تُستنفذ كل المحاولات والإجراءات لوقف جرائم الإبادة البشرية وجرائم الحرب، يختلف عن المشاركة في الحرب الدائرة بين المقاومة والجيش الصهيوني، منذ اندلاع الحرب في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. فالتدخل ضد إبادة المدنيين يعني الإنسانية بأسرها ويعني الضمير العالمي الإنساني، ويعني تجنيب العالم من الوقوع في الفوضى و”شرعة الغاب”، فتسود حالة عالمية مدمرة، لا يضبطها قانون دولي أو مواثيق وقيم إنسانية سبق واتفق عليها من قِبَل جميع شعوب العالم ودوله، عدا من يسوغون لأنفسهم حروب الإيغال في دماء المدنيين، وفي تدمير العمران المدني.
ومع نهاية شهر أكتوبر بعد اليوم العاشر منه، وحتى الأسبوع الثاني من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، ما زالت أمريكا والكيان الصهيوني يصران على مواصلة حرب استهداف مدنيي غزة، وتدمير الأحياء والبيوت والمساجد والكنائس والمشافي، بصورة مستمرة، وذلك بالرغم من الضغوط العالمية الجبارة. فلم يبقَ غير الانتقال إلى التهديد بالتدخل المباشر، من قِبل تشكل عدة دول إسلامية، لم تعد تستطيع تحمل رؤية المجزرة المتمادية، حتى إبادة الوجود المدني لقطاع غزة.
بكلمة أخرى، أصبح من الواجب تشكيل تكتل عالمي من الدول التي تعتبر أن جريمة الإبادة -جريمة الحرب بحق مئات الألوف من المدنيين في قطاع غزة- لم تعد تُحتمل، ولا يجوز أن تستمر، ويجب وقفها بكل وسيلة. وهذا التدخل أصبح من مسؤولية دول كل العالم فرادى وتكتلات.