للتذكير… /المرتضى محمد أشفاق
..
كلما أسبلت الأيام سترها، وانشغل الناس عنها، ارتفع لغط جديد..
الحديث عن ختان النساء بدأ ملفوفا في حملة تمدرس البنات، ومحاربة التسرب المدرسي.. وألحقوا به أختين لأم هما مكافحة التعدد، والتحذير من الزواج المبكر، وهما أمران فعلهما سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة، والصحابيات..
قد يقول قائل أرونا رجالا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر..فنقول وأرونا نساء مثل عائشة، وحفصة، وصفية..
عشنا مع الحملات ورسلها ردحا من الزمن غير شيق ولا مرغوب…
الخفاض عادة قديمة عرفتها كل الشعوب، بعضها بأشكال غريبة جدا…
ولعلها في الأصل عملية تجميلية تحتاجها بعض النساء اللائي يولدن بتشوه خَلقي مُضِر بهن، ومعيق في المستقبل إذا بلغن سن الزواج…
والعادة تنتشر ويجهل أصلها كلما تقادم عهدها…
ويرى بعض من يرومون تعميم فائدتها، بتجاوز الضرورة الخلقية فقط، أن فيها نفعا آجلا للمرأة يكون في كبح شهوتها، والتقليل من أعراض اللذة وطلب الرجال، مع فوائد صحية مشهودة ذكرها أطباء أمراض النساء منها القضاء على الإنتان، والتهابات المسالك البولية…
واختلف علماء المسلمين في مشروعيتها، فمنهم من رأى أن الختان من سنن الفطرة، واجب للذكور، سنة للنساء…
وقد ورد في حديث رواه أبو داود أنه كانت في المدينة امرأة تختن النساء فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنهكي، فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل)، فكيف يقر النبي صلى الله عليه وسلم أمرا فيه ضرر على المرأة، ومخالف للفطرة السليمة؟..ويفهم من قوله لا تنهكي تجنب الاستئصال الكلي الذي كان شائعا عند بعض الأمم، وهو مضر بالمرأة جالب للبرودة الجنسية…
ويفهم كذلك أن من لا تحتاجه لا تخضع لعملية الختان لغياب القصد الأصلي.
دخل دعاة المنع أولا من باب ضرر العملية نظرا للمخاطر الصحية، وبدائية الوسائل، وما قد ينجر عنها من عواقب كالنزيف، ونقل العدوى، وتلوث الآلات المستخدمة الخ، حتى أنهم أوصوا في مرحلة تهيُّب القرار النهائي بالمنع، أوصوا بإجرائها في المستوصفات، والمشافي…
وتتالت رسل التبشير بعهد حماية تلك النتوءات الداخلية، وتركها تنمو في حرية، ووسعت دائرة الدعوة لتشمل الأئمة، والفقهاء، والأساتذة، ثم نزلوا إلى القاع فأشركوا الفتيات وآباءهن في ملتقيات التحسيس التي تحولت إلى فترة إفلاس خلقي وهبوط غير مسبوق في حضيض السوقية…
ولج الجمع المذكور المساحات الحرجة والخاصة جدا من المرأة، ونُثر متاعها الداخلي بكل تفاصيله، وسُلطت عليه أشد الأضواء كشفا للمتخفي والمعتم، وعاش الكل آباءً وبناتٍ، وأساتذةً وتلميذاتٍ فترة من (المداصرة) الوقحة، فرضها عليهم الخوف من مخالفة التوجه الرسمي المُمْلَى عليه موقفُه أصلا، ثم طمع ساذج في تعويض رشوة(مندريش) بقتله وملء جلده ذهبا..
يبررون المحاربة، بوقف العنف ضد النساء، والآثار النفسية التي يخلفها الخفاض…
كلمة حق أريد بها باطل..ما الفرق بين ختان البنات وختان الذكور؟
ختان الذكور أقسى لأنه أعم، ولأنه يقع والطفل واع، مدرك لكل تفاصيله، ويعيش فترة توتر وترقب مفزعة، ويصاب بالتأثير النفسي لأن عورته تنكشف للناس، أما الخفاض فعملية محدودة، تقع سرا، ودون إدراك البنت، ولا تشعر بالحرج لأنها بنت ليال معدودات…
السبب بسيط هو أن من يزعمون أنهم قوم موسى اليوم يختنون الذكور، فلا يمكن تجريم فعل يقومون به ويعتبرونه من تعاليم ديانتهم…
ثم لماذا لم تقم حملة تحسيس لمنع اقتلاع أسنان الأطفال ذكورا وإناثا، أليست عملية عدوانية شنيعة وقاسية، وتشويها خلقيا متعمدا للطفل، ومسببا لبعض أمراض الفم، ومعطلا لبعض عمليات الهضم..؟؟
لأن القصد الخفي هو هتك ستر المرأة، والسماح بالتجوال الحر في كل مساحاتها الجسدية، واستباحة مناطقها الداخلية المحظورة…
حدثونا مرة عن الآثار النفسية على المرأة التي خضعت للختان رضيعة، وهي إن صحت تشمل نسبة كبيرة من نسائنا اليوم، فهن بحكم ادعاء هذا التأثير مجنونات، أو على درج واحد من بلوغ ذروة الجنون، فسأل أحد المشاركين عن طريقة علاج تلك الآثار، هل هي بترميم ثلم الجزء المتضرر وحقنه بمُوَرِّم حتى يعود إلى سالف حجمه؟ أم باستيراد قطع مبتورة مهربة من الخارج لزرعها في المضطربات نفسيا من آثار الخفاض؟..