“أرون بوشنل” قدم نفسه هبة لفلسطين: فماذا قدم إخوة العقيدة والجغرافيا والتاريخ المشترك؟/ لدكتور طارق ليساوي
1 مارس 2024، 00:00 صباحًا
حاولت في مقال “الضرائب والزكاة أيهما أنفع للبلاد والعباد؟” توضيح أوجه الإتفاق و الإختلاف بين الزكاة والضريبة، وتميز الزكاة عن الضريبة في كثير من المجالات…خاصة و أن هناك خلط لدى البعض بين الزكاة و الضرائب، وبعضهم يرى أن أداء الضرائب يغني و يجزي عن دفع الزكاة.. ولا زال هذا النقاش يحتاج إلى مزيد من الشرح و التفصيل.. لكن ليسمح لي القارئ الكريم بتوجيه بوصلة التحليل بإتجاه غزة التي غيرت كل المعادلات، و كسبت القلوب و العقول، وكشفت لنا حجم العجز العربي و الإسلامي الرسمي و الشعبي..
وأفتتح هذا المقال بكلمة تكريم بحق الطيار الأمريكي الشاب “أرون بوشنل”، الذي عبر عن رفضه للظلم و الحيف و الإبادة الجماعية التي تمارس على شعب فلسطين عامة و غزة خاصة، وإحتجاجه كان بحرق نفسه يوم الإثنين 26-02-2024 أمام سفارة الكيان الصهيوني بواشنطن و قال قبل حرق نفسه: “سأنظم احتجاجا عنيفا للغاية الآن، لكن احتجاجي ليس كبيرا مقارنة بما يعيشه الفلسطينيون على أيدي محتليهم”، وعند وصوله أمام سفارة الصهاينة سكب بنزينا على رأسه وأضرم النار في نفسه بينما كان يصرخ “الحرية لفلسطين”، وأعلنت شرطة واشنطن لاحقا مفارقته الحياة متأثرا بإصاباته…هذا الطيار الشريف و النبيل نأمل أن يشفع له موقفه البطولي و الشهم أمام رب العالمين ويرحمه برحمته الواسعة، وسيبقى هذا البطل خالدا في ذاكرة الشعب الفلسطيني وأحرار العالم ورمزا لروح التضامن الإنساني العالمي مع شعب فلسطين و قضيته العادلة ” ..
وفي مقابل هذا البطل الذي لا ينتمي لفلسطين لا من قريب و لا بعيد، و لكن الظلم الشديد حركه، بينما نجد في عالمنا العربي من يتعاطف و يدعم الصهاينة في ظلمهم و عدوانهم.. مع أن قضية فلسطين هي قضية كل عربي و مسلم، و العدوان الصهيوني و مخططاته السوداء تستهدف بلدان الإقليم من طنجة إلى جاكرتا…
نقطة الضوء في عالمنا العربي و الإسلامي مصدرها فلسطين و غزة، ففلسطين و غزة لا ينتظرها إلا النصر و التحرير لأن اطفالها يرضعون الشهادة و الحرية و الكرامة. لذلك، فالشعب الفسلطيني يتمتع بالحرية و الإرادة ، بينما باقي الشعوب العربية مستعبدة وإن لم تكن محتلة من قبل الصهاينة ، لكن بلداننا محتلة و الغالبية لا تعلم انها لم تحصل على استقلالها بعد..
فشعب غزة حاصره الجميع برا و بحرا و جوا و تكالب عليهم العالم كله دعما لأعتى و أقبح إحتلال عرفه التاريخ، و ما من صيف يمر إلا و غزة تقصف من العدو الغاشم، وما من موضع بغزة الا قصف او أصابته شظيية طائرة أو صاروخ مدفعية أو رصاصة قناص! و ما من بيت في غزة إلا به شهيد أو جريح و رغم كل هذه المحن و هذا التكالب ، لكن غزة ترعب الصهاينة.. إنها غزة ارض العزة و البطولة ومصنع الرجال و النساء و صانعة الأمل …
رغم العدوان المتكرر و الحصار الممتد منذ 2006 إلى حدود كتابة هذا المقال ، لازال القصف الصهيوني الوحشي و الدعم الغربي و العربي لهذا الكيان الغاصب، لا زال التجويع و الترهيب و الترغيب، إلا أن غالبية أهل غزة بصمودهم و شموخهم و هممهم العالية، لم يفرطوا في أعراضهم أو اخلاقهم أو دينهم..و لذلك، سيكون النصر و العز و العلو حليفهم لأنهم صبروا و قاوموا و صمدوا و جعلوا القران دستورهم و السنة منهجهم و الإسلام غايتهم و الشهادة أقصى أمانيهم و دخول الجنة مطمحهم ، و كان للمرأة دور في صناعة هذا المجد ، لأنها صانعة الأبطال حقا و حقيقة..و كيف ننتصر و نساءنا و بناتنا في أغلب البلاد العربية أصبح جل اهتمامهن التجمل لترويج صورهن على “الانستغرام” و “تيك توك”..هل بمثل هؤلاء تتقدم الامم و تنهض من كبوتها…لذلك أرى أن غزة و فلسطين خميرة التغيير و من أرضها سينطلق قطار الصعود و النهوض الحضاري و بفضل فلسطين و غزة ستخرج الأمة من غثائيتها..
فلا ينبغي أن نعتد بما يفعله بعض الخانعين من حكامنا و المطبلين لهم من سحرة فرعون، فهؤلاء بقرراتهم و مواقفهم يعبرون عن جهلهم بالتاريخ، و انفصالهم عن الواقع و عجزهم عن قراءة الأحداث بموضوعية و وطنية، لذلك لا يسعنا إلا مقاومة كل جهود التطبيع مع هذا الكيان الغاصب و إدانتها و مقاطعتها بكل الأشكال الممكنة، و لو بالدعاء و الكلمة و ذلك أضعف الإيمان، فالدعاء جند من جنود الله ،والكلمة الصادقة في مثل هذه الظروف أحد من السيف لأننا أمام معركة وعي و فهم و إدراك لحقيقة القضية و أبعادها الدينية و القومية ، فمعركتنا توعية أنفسنا و أبناءنا و زرع حب فلسطين و القدس في قلوبهم، و إعلامهم بأن القدس ستظل عاصمة فلسطين، و فلسطين ستظل أرض عربية إسلامية محتلة من قبل الصهاينة و سيتم تحريرها عندما تخرج الأمة العربية و الإسلامية من تيهها و غيها، و الأقصى سيظل أولى القبلتين و ثالث الحرمين …فدوام الحال من المحال…وهوما عبر عنه القرآن الكريم في صورة سنة كونية عامة، فقال:(وتلك الأيام نداولها بين الناس) (آلعمران:140) و نزلت الأية الكريمة في أعقاب غزوة أحد التي انكسر فيها المسلمون في عصر النبوة، وقدموا فيها سبعين من أغلى شهدائهم، بعد انتصار مبين قبلها في غزوة بدر، هذه الغزوة المباركة و الانتصار العظيم سماه القران الكريم يومها بيوم الفرقان قال تعالى:(يوم الفرقان يوم التقى الجمعان)(الأنفال: 41)، فصعود الكيان الصهيوني و تعاليه نابع من ضعفنا و إبتعادنا عن ديننا و حقائق التاريخ و الجغرافيا و قوانين الاستخلاف و العمران… و في الختام، تحية إجلال و تقدير لغزة و مقاومتها الباسلة و شعبها الجبار، و الرحمة و المغفرة لشهداء العدوان الصهيوني الغاشم ، و الخزي و العار للمتصهينين العرب ..و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون..