من لم تُحدِث أشلاء الأبرياء ضحايا مدرسة “التابعين” المقطّعة والمحترقة والمتشظّية بفعل أحدث المقذوفات الأمريكية الفتّاكة، صدمة وصعقة في مشاعره ومواقفه، فليبادر فوراً ودونما تأخير لإجراء فحص الدي إن إيه، ليتأكد من انحداره من سلالة آدم، ويتيقّن من أن شيفرته الوراثية تحمل بقايا فطرة إنسانية، قد تؤهّله لحمل لقب “بني آدم” و”إنسان”.
لقد حملت تلك الأشلاء المتناثرة رسائل باللون الأحمر القاني رسائل في كلّ الاتجاهات، لمًن أراد أن يشتري نفسه أو يستقيم ، وقبل فوات الأوان، بل وقبل فقدان النفس والإنسانية، بحيث يجد نفسه خارج حدود الجغرافية وحتى التاريخ؟! لعل أولى هذه الرسائل النارية، تتوجه إلى من لا يزالون ينظرون إلى الإدارة الأمريكية على أنها يمكن أن تمارس ومعها الغرب الاستعماري دور الوسيط النزيه والقاضي العادل، ويشترون بضاعتها الفاسدة وشعاراتها الخدّاعة حول حقوق الإنسان ومشروع “حل الدولتين”، وينتظرون منها ممارسة أدنى ضغط على صنيعتها المدلّلة “الكيان الإسرائيلي”، بل وينشدون منها استقرارهم في قصورهم وعروشهم العاجيّة ومناصبهم الرّفيعة، بل ويطمحون في توفير الأمن لهم، والحظي بمعاملة مماثلة كما “الكيان”، ويحاولون التسابق لتقديم أوراق اعتمادهم لتل أبيب، لعلّها تشفع لهم لدى صهاينة “البيت الأبيض” وعواصم الغرب الاستعماري.
تقول لهم أشلاء “التابعين” وبالفم الملآن: كفاكم أوهاماً وسعة خيال، فالولايات المتحدة ومعها الغرب الاستعماري لا يوجد في قاموسهم شيئاً اسمه حقوق الإنسان أو حتى أي معنى للإنسانية، وتاريخهم يشهد بذلك، فلا يمكن للجلّاد أن يكون قاضياً في نفس الوقت، ثم أنّكم بالنسبة لهم ومهما قدّمتم من خدمات جليلة وأوراق اعتماد لكيانهم المصنّع، لن تتجاوزوا في ميزان اهتماماتهم مثقال “ذرّة” مقارنة بكيانهم، ثم أنتم بالنسبة لهم مجرّد سوق استهلاكي وبضاعة لها مدة انتهاء محددة ليس إلّا، بل ومجرّد صرافاً آلياً ينهبون من خلاله أموالكم وثرواتكم، وتصريحات ترامب المشهودة خير دليل على ذلك. ثم أن الولايات المتحدة لن توفّر لكم الأمن والأمان المنشود، فأمنكم وأمانكم بأيديكم، وبما تراعون فيه مصالح شعوبكم وأوطانكم حصراً، وفقط لا غير. كما أنهم يغادرون تفرّدهم في الهيمنة الظالمة، ويفقدون شيئاً فشيئاً دورهم، وبالتالي أولوّيتهم الدفاع عن دورهم الآفل، ومحاولة الإستماتة في الحفاظ ما أمكن على مصالهم في العالم، وقبل أيّ شيء آخر، وأنتم لا مكان لكم في هذه المعادلة التي تتشكّل، وما عليكم سوى اللحاق في قطار التغيير المندفع بسرعة قصوى، وحجز مقعد لكم في إحدى مقطوراته، وقبل فوات الأوان؟!
أما بالنسبة لدول الطوق الفلسطيني ، فقد بات واضحا لشعوبكم قبل الآخرين، أنكم جزء من حرب التجويع والحصار والإبادة، ولم تعد تصريحاتكم بخلاف ذلك تنطلي على أحد، وهذه وصمة عار لن يقابلها “الكيان” سوى بمزيد من فضحكم والتشهير بكم، بل والتعامل معكم كممسحة زفر لجرائمه الهمجية وإلقاء المسؤولية عليكم فقط في كافة المحافل الدولية، ولن تستطيعوا نكران ذلك ، أو حتى الدفاع عن أنفسكم ، فالحقائق دامغة والحجج قويّة لا يمكن دحضها مهما كابرتم أو نفيتم مسؤوليتكم الجليّة، أفلا تخشون يوم جرد الحساب الذي سيأتي حتماً، عاجلاً أم آجلاً، حيث ستشهد أياديكم الملطّخة بدماء الأبرياء عليكم، فهل أنتم منتهون؟!
وأما الوسطاء المصريون والقطريون، ألا تستيقظوا من غفوتكم التي طال أمدها لأكثر من عشرة شهور، وتسمّوا الأمور بمسمّياتها، وتكشفوا الحقائق، فقط تعاملت الولايات المتحدة وربيبتها “الكيان” بمنتهى الخسّة والاستهتار، وجعلوا منكم أداة ضغط وشمّاعة يعلّقون عليها المسؤولية عن مواقفهم الرامية ومنذ البداية إلى استمرار حرب الإبادة والتطهير العرقي وجرائم القتل والتدمير، بل واستهتروا بكم وبدولكم، وتطاولوا عليكم بمنتهى الحقارة، فكيف تستمرون بلعب دور الوسيط ، أو بالأحرى “شاهد الزور”، ألم يحن وقت الانتصار لإنسانيتكم بل وكرامتكم المهدورة، وقد نفذت من جعبكم كل السّهام؟!
وأمّا الأبواق الإعلامية الصهيونية المنتحلة أسماءً عربية، والتي جنّدت نفسها تطوّعاُ وبلا مقابل، في الوحدة 8200 الصهيونية المختصة ببث الفرقة وتأجيج الفتن الطائفية وتمرير المشروع الصهيوني الذي تجاوز شعاره “من الفرات إلى النيل” و “من الخليج إلى المحيط” ليصل إلى شعار “من جاكارتا إلى طنجة”. أمّا وقد ارتضيتم أن تكونوا خدما مجانّا للكيان، وتحاولون جاهدين الفوز برضاه، وهو الذي ينظر لكم ولأمثالكم عبر تاريخه، الذي يبدو أنكم تجهلونه أو تتجاهلونه متعمّدين على الأقل، أنكم جزء لا يتجزأ من “الأغيار، بل مجرّد حشرات خلقكم ربهم “يهوه” على صورة بشر رحمة منه بشعبه “المختار”، وواجبكم خدمة شعبه حتى لا يحلّ عليكم غضب الرب، ولا يحق لكم انتظار حمداُ أو شكوراُ، وإن استنكفتم عن دوركم الحقير الذي جنّدتم أنفسكم طواعية لأدائه، فمصيركم الإبادة كأي حشرات ضارّة ليس إلّا، لقد خسرتم متابعيكم ومشاهديكم، فهل ستحافظون على أنفسكم وما تبقى لكم من كرامة واحترام؟!
وأمّا بعض الأصوات الفلسطينية النّشاز، والتي باتت مغرمة بالظهور على بعض الشاشات المتصهيَنة، كنكرات تتسوّل الظهور والشهرة، كمن يبول في مسجد للعبادة، ويحاولون جاهدين تكريس الرواية الإسرائيلية، بحجة الحرص على حياة المدنيين الأبرياء وتجنّب المزيد من الدمار، وكأن عصابات “الكيان” قبل “طوفان الأقصى” كانت ترمي الشعب الفلسطيني بالورود، وتوفّر لهم الدلال والحنان والرحمة، أيّما توفير. مستندين إلى تاريخهم النضالي الذي لم يعد يجدي نفعاُ ، بل ولن يشفع لهم أمام هذه المجازر المروّعة وغير المسبوقة بالتاريخ الإنساني؟!
وأما بالنسبة لمنظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والمدافع عن حقوق الثابتة والمشروعة، فإن ما قبل “طوفان الأقصى” ليس كما قبلها، فما يتعرّض له الشعب من حرب إبادة ومجازر وتصفية للقضية الفلسطينية، وتنكّر لحقوق الشعب الفلسطيني، بل وتصفية حتى لوجوده، ولممثله الشرعي والوحيد ولسلطته الوطنية ، وكل ما يحمل اسم فلسطين ، واستباحة المخيمات والقرى والمدن الفلسطينية، واستهداف حتى عناصر وضباط الأمن الوطني الفلسطيني دونما مبرّر، من قبل الجيش وقطعان مستوطنيه الذين تحوّلوا إلى جيش مسلّح آخر، رغم عدم تقصير جيش “الكيان” في دعمهم والتغطية على أفعالهم الشنيعة، بل ومشاركتهم بها كذلك.. كل ذلك كان يجب أمس قبل اليوم، بل ويستدعي على الفور، إعادة النظر في الاستراتيجية الرسمية الفلسطينية، التي ما زالت تٌعلّق الآمال على ما يسمّى “عملية سلام” وبعد ثلاثين عاماً من انطلاقتها، وكذلك المسارعة إلى تفعيل دوائر منظمة التحرير وسفارات فلسطين المنتشرة في شتى بقاع الأرض، والتي أصابها الشلل شبه التام، وتحوّلت إلى مجرّد يافطات ديكورية فقط، وما آلت إليه الأوضاع، وفرضت حرباً وجودية ومصيرية تتطلّب الاستيقاظ والفعل المثمر، وقبل فوات الأوان، وضياع منجزات تحققت بدماء عشرات آلاف الشهداء، فهل إلى ذلك من سبيل، وقبل أن يقع الفأس في الرأس، فهل تبادر إلى ذلك؟!
وأخيراً بالنسبة إلى جبهات الإسناد، صحيح أن حق الرد المشروع على جريمتي اغتيال شكر وهنية، أمر متروك لحسابات المعنيين، من حيث التوقيت والحجم، لكن استكلاب “الكيان” على استدرار رد سريع ومحدود، بل وتخطيطه لتوجيه ضربات استباقية لإجهاض الرد قبل حدوثه ، وجرأته المتزايدة على استهداف المدنيين الأبرياء، وخصوصاً في الساحة اللبنانية، يستدعى تفعيل عمليات الإسناد ، لجعلها أكثر إيلاماُ، وتفعيل معادلة المدني بالمدني، والطفل بالطفل والمرأة بالمرأة وحتى المقبرة بالمقبرة، فهذه هي اللغة التي يفهمها “الكيان” ويمكن أن تشكّل له رادعاُ معقولاُ. فهل تفعل؟! وأمّا بالنسبة للصين وروسيا، فإن ما ينفذه “الكيان من إبادة جماعية، وخرق فاضح لكل المواثيق والأعراف الدولية، بدعم ومشاركة ومباركة الغرب الاستعماري لا يستهدف الشعب الفلسطيني بل يستهدف بكين وموسكو كذلك، وما دامت الأسلحة الغربية تتدفق بلا حدود على “الكيان” المجرم، فمن الضروري أن تبادر كلاً من الصين وروسيا إلى دعم “الخط الأمامي” الذي يواجه الهيمنة الغربية في فلسطين وجبهات الإسناد، وما دام التحالف الأمريكي الغربي قد سعى إلى تدمير العراق وغيرها بدون موافقة مجلس الأمن وخارج قرارات الشرعية الدولية، فماذا تنتظر روسيا والصين كي تؤازر خط دفاعها الأمامي الصامد، وماذا تنتظر لطرد “الكيان المارق” من الأمم المتحدة وسحب اعترافها به في كافة المحافل الدولية، وهو الذي مزّق ميثاق الأمم المتحدة ورماه في وجوه ممثّلي العالم أجمع، فهل تبادران إلى ذلك كخطوة جريئة ومقدمة لفرض العدالة الدولية والقانون الدولي والإنساني، توطئة لولادة النظام العالمي متعدد الأقطاب المنتظر والمأمول؟!