القمة الإفريقية تخلد مأساة تجارة الرقيق بنصب تذكاري كلفته 40 مليون دولار
داكار- من الشيخ بكاي – من المواضيع التى اثارها الحاضرون فى مؤتمر قمة الوحدة الإفريقية الذي اختتم اعماله فى داكار عاصمة السنغال التي اختتمت الاثنين،قضية تجارة الرقيق الذين كانت رحلتهم الى لغرب تبدأ انطلاقا مما يعرف بدار الرقيق فى جزيرة غوري على بعد اربعة كيلوميترات من دكار.
و دعا الرئيس السنغالي عبده ضيوف الرؤساء المشاركين في القمة الى وضع حجر أساس لنصب تذكاري لتخليد الجزيرة التى كانت آخر معقل لتجارة الرقيق فى الغرب الإفريقي.
ويريد الأفارقة تحويل الجزيرة الى رمز سياسي من خلال التركيز على تجارة الرقيق التى كانت سائدة فى الماضى، لربط السود فى الغرب بأصولهم الإفريقية وخلق مجموعات ضغط خصوصا فى الولايات المتحدة الأمريكية، والمطالبة بدفع تعويضات للسود من اصل إفريقي عما لحق بهم من اضرار من جراء تجارة الرقيق التى تعرض لها اجدادهم.
وقال استاذ التاريخ السنغالي جوزيف اندياي الذى رافق الصحافيين الذين يغطون القمة الافريقية في زيارة للجزيرة إن تجار الرقيق الهولنديين بنوا “دار الرقيق” هذه عام 1776.
وقال :”داخل هذه الجدران الكئيبة الضيقة كانوا يحشرون الآلاف من سكان هذه الأرض قبل شحنهم مثل الأغنام الى البلدان الغربية”.
وأشار بيده الى فتحة صغيرة مؤدية الى البحر تشبه النفق وقال:”من هذا الباب كان أبناؤنا يخرجون بلا رجعة مصفدين بالحديد وكانوا يسلبون حتى من أسماءهم ويتحولون الى أرقام”.
وكان المرشح السابق للرئاسة الأمريكية القس الأسود جيسي جاكسون اشار الى تجارة الرقيق انطلاقا من الجزيرة فى كلمة القاها خلال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر القمة الإفريقية الاثنين الماضى، وقال :”ماضينا واحد على رغم أن البحر واللغة يفصلاننا، وينبغى أن يكون نضالنا من أجل التحرر واحدا”.
وأضاف مشيرا الى أنه يتحدث باسم الأفارقة السود فى”الدياسبوره”(الشتات)”علينا إبقاء قصة غوري،التى هي أكثر الجرائم ضد الإنسانية حزنا ، فى أذهان الأجيال لئلا تتكرر”.
وذكر بمآسي الأسر السوداء أيام تجارة الرقيق : “كانت الأسرة الواحدة تتمزق، الزوج الى شمال أمريكا، والزوجة الى بلد اوروبي، والأطغال الى بلد آخر، وقد يوجد الطفل وأمه فى قرية واحدة من دون أن تكون لهما أية فرصة للقاء”.
وأضاف:”منعونا لفترة طويلة من أي أخبار عن أصولنا وأرضنا الأم وأرغمونا على نفي الذات ونسيان إفريقيا”.
وشارك جاكسون فى الجلسة الافتتاحية للقمة الافريقية بناء على دعوة من الرئيس السنغالي لحضور وضع الحجر الأساس للنصب التذكاري الذى يكلف نحو 40 مليون دولار، تتولى منظمات عدة مثل اليونسكو والأمم المتحدة ومنظمتا “المؤتمر الإسلامي”و”الوحدة الإفريقية ” تمويله بالاشتراك مع هيئات دولية أخرى.
وركز جاكسون فى كلمته على ضرورة اسهام الولايات المتحدة والغرب فى التنمية الإفريقية وفى تحسين أوضاع السود. وتساءل لماذا لا تنفذ فى إفريقيا برامج شبيهة بتلك التي وضعها الرئيس بوش لمساعدة بولندا وهنغاريا من خلال “القروض والهبات، والاستثمارات وضمانات القروض”، ومن خلال الصندوق الأمريكي ــ البولندي، والأمريكي – الهنغاري.
وأنتقد سوء أوضاع الأمريكيين السود وقال إن “الموجودين فى السجون أكثر من الموجودين فى الكليات”.
وشهدت منابر مؤتمر القمة الإفريقية خطبا حامية عن أوضاع السود فى العالم من بينها خطاب ألقاه أمام الصحافيين البرلماني البريطاني الأسود برني غرانت.
وقال مراقب غربي لـ”الحياة”: إن “فكرة الزنوجة اصبحت بحاجة الى محرك بعدما بدأ نظام الفصل العنصري،فى جنوب إفريقيا يتقوض”.
وأضاف ان”اعادة عهود العبودية الى الواجهة أفضل وسيلة لاثارة مشاعر القومية لدى السود”.
وأعلن الرئيس النيجيري ابراهيم بابا نغيدا خلال جلسة افتتاح القمة تشكيل لجنة من الشخصيات الإفريقية والأمريكية والجامايكية عهد اليها وضع تصورات للمطالبة بدفع الغربيين تعويضات للسود فى افريقيا وفى الشتات، عن الاضرار التى لحقت بهم بفعل تجارة الرقيق والاستعمار.
ويرأس اللجنة رجل الأعمال النيجيري باشرون ابيولا الذى قال عقب تشكيل اللجنة التى تضم المدير العام السابق لليونسكو السنغالي امدو مهتار امبو:”الآن وقد تحررت إفريقيا آن الأوان للتعويض عما أصابنا”.
وتعتبر نيجيريا اضافة الى السنغال أكثر الدول الإفريقية تحمسا للفكرة.
وتقدر بعض المصادر عدد الأفارقة الذين شحنوا انطلاقا من جزيرة غوري بعشرين مليونا.
ويقول أستاذ التاريخ السنغالي اندياي إن “ستة ملايين ماتوا خلال الرحلات نتيجة الجوع وسوء العاملة. لقد أفرغوا القارة من أفضل سكانها”.
ولم تتضح بعد فى أذهان الأفارقة الصورة التى ينبغى أن يكون عليها التعويض؟
ويقول أفرانسوا آتوكي العضو فى وفد زائير فى تصريح إلى”الحياة” : ” قد يكون ذالك فى شكل إلغاء للديون المستحقة على القارة، ودفع مبالغ مالية لفترة من الزمن. لقد دفعت المانيا ولا تزال تدفع لليهود فى إسرائيل أموالا طائلة تعويضا لهم عما لحق بهم خلال الفترة النازية،فلماذا لا تفعل معنا الدول الغربية الشيء نفسه؟”.
ويعتقد المسؤول الزائيري ان الولايات المتحدة الأمريكية “مسؤولة بالدرجة الأولى وعليها أن تدفع الجزء الأكبر”.
لكن دبلوماسيا غربيا فى دكار قال لـ”الحياة”:”لا أعتقد أن تشبيه مسألة الرقيق بضحايا النازية دقيق، ففى خصوص الأخيرة هناك دولة قائمة ومؤسسات واشخاص معروفون، اما تجارة الرقيق فهي مسجلة ضد مجهول”. وأضاف: “المسألة معقدة وتتطلب الكثير من الدراسات والأبحاث”.
وقال:” ربما كان علي الأفارقة فى شكل ما طرح هذه المسألة، لكن لا أعتقد أنها ستنال الإستجابة المطلوبة”.
وبدأت تجارة الرقيق فى إفريقيا عام 1536 على أيدى البرتغاليين وأستمرت ثلاثة قرون. وكان التجار يختطفون ضحاياهم، لكنهم تخلوا عن هذه الممارسة، واستخدموا الأرقاء الأوائل الذين كانوا تعلموا لغة أسيادهم مترجمين ووسطاء فى أعمال تجارية “مربحة” للجميع. وكان رؤساء القبائل يقدمون “البضاعة البشرية” بينما يدفع مقابلها الأوربيون سلعا من منتجاتهم.
ويعترف اندياي بهذه الحقيقة، بل يقول”إن السعر كان مرتبطا بالوزن وبالسن”.
وتوجد أهم المجموعات السوداء فى الشتات فى الولايات المتحدة الأمريكية وهايتى والبرازيل وجزر الأنتيل الفرنسية.
“الحياة” الصادرة في لندن
166 تعليقات