كتبنا كثيرا، منذ بدايات الحرب الاهلية المروعة في دارفور،مشددين بأن السلام إلى ذلك الاقليم السوداني، لن يمر- مرور الكرام- إلا من التشاد، وحين أسكت أمير السلام الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الرصاص اللعين بين الحكومة السودانية ، وحركة العدل والمساواة الدارفورية المتمردة، أيقن كل خبير بالأزمة وتعقيداتها، أن قطار السلام الذي انطلق من الدوحة، قد قطع نصف المسافة، إلى ذلك الاقليم، الذي يتغطى بالدم، والمسغبة، والفرار الذليل، ويتغطى-اجمالا- بواحدة من أسوأ الكوارث الانسانية في عالم اليوم!
عادت المياه-إذن- تجري، بعد طول تعكير، صافية وهادئة، بين السودان والتشاد،، وهى ماكان ليمكن لها أن تعود، وتجري- هكذا- إلا بحكمة أمير السلام، وتحركاته الذكية الهميمة، بين الخرطوم وأنجمينا، ومعرفته التامة، بأسباب تعقيدات الأزمة، واسباب مضاعفاتها.
التاريخ يقول إن أكثر من رئيس، دخل على خط إعادة المياه إلى طبيعتها، بين السودان وتشاد،،، والتاريخ يقول- على خلفية ذلك-أن الرئيسين البشير وادريس ديبي، تصافحا أكثر من مرة، في أكثر من عاصمة، وشد أي منهما على يد الآخر، ولمعت أسنانهما معا أمام عيون الكاميرات، لكن ذات التاريخ يقول-أيضا-أن الرصاص راح يعوي، على الحدود ، أو في ماوراء الحدود، فقط بعد يوم واحد، أو يومين، من المصافحة والتماع الأسنان بالابتسام!
عواء الرصاص-من جديد- كان يقول في كل مرة، جملة أشياء، ومن بين هذه الأشياء، أن هذا الرئيس أو ذاك، وهو يتدخل تدخلا حميدا، بين السودان وتشاد، لم يكن يملك التصور الشامل، لكيفية اسكات الرصاص،،، ومن بين هذه الأشياء-أيضا- أن الرئيسين البشير وديبي- معا- أو أحدهما على الأقل، لم يكن متسلحا-إذ هو يمد اليمين بالسلام- بارادة السلام، وارادة الالتزام بكل استحقاقات هذا السلام!
للسلام ارادة،، وارادة السلام تبنيها الثقة: ثقة كل جانب في الآخر،، ولن نقول جديدا، ونحن نقول إن الثقة بين البشير وديبي، كانت مزعزعة باستمرار، وهذه الثقة، ماكان ليمكن أن تصبح هكذا، إلا لأن أى من الرئيسين كان يضمر، بل يخطط للاطاحة بنظام الآخر، والخلفية تعقيدات أزمة دارفور!
ضربة أنجمينا تقول بذلك، وهى ضربة، جاءت بدعم قوي من الخرطوم لأعداء النظام التشادي،،،
ولأن (الموس التي حلقت لحسن ستحلق أيضا لحسين) كما يقول المثل التشادي، فقد جاء الثأر التشادي لتلك الضربة، بغزو أمدرمان، وهى الغزوة التي جاءت بدعم قوي من أنجمينا لمتمردي حركة العدل والمساواة الدارفورية المتمردة!
الشفافية،،،تلك ماكان يحتاجها-أولا- أى من الرئيسين البشير وديبي، للتعامل مع الآخر، لاعادة المياه إلى طبيعتها،وكذا كانا معا يحتاجان، إلى الالتزام الصارم بأي اتفاق،ولا التزام صارم ، في أي اتفاق بين أي اثنين، في غياب الجهة القوية الضامنة لهذا الاتفاق، وتنفيذه على الأرض بمنتهى القوة والشفافية في الوقت ذاته!
من حسن حظ الصفاء الذي عاد بين السودان وتشاد، أنه عاد بشفافية الأمير الشيخ حمد بن خليفة ال ثاني، وعاد بحكمته التليدة،، ومن حسن حظ هذا الصفاء، أن القوة الضامنة لاستمراريته، هى ذات القوة التي سعت اليه باخلاص وصبر غريب وتجرد ونزاهة وايمان، ومن حسن الحظ أن تلك القوة، هى القوة التي ستحرسه بالسهر والحكمة والنزاهة، وهو يمشي بين الدولتين الجارتين بالسلام، والسلام هو الذي ينفع الناس!
أظن أنه من نافلة القول، القول للسودان وتشاد معا، أن أقبضا الآن على ماينفع الناس في الدولتين،والناس في الدولتين، قد قاسوا ماقاسوا من ويلات العداوة، وويلات الحروب،وويلات الفرار، وويلات مد الايادي بذل السؤال للمجتمع الدولي!