للذكرياتِ رائحةٌ زكيةٌ / الغالية أبوه
للذكرياتِ رائحةٌ زكيةٌ تشبهُ أريجَ الخشبِ الأشقرِ والزيزفون، هل يستقيمُ ذلك؟ لا أعلم لكنها تبدوا هكذا بالضبط
أعدتُ مشاهدةَ مقطعِ الفيديو أسفلهُ عشرات المرات وفي كل مرة أذكُر:
شتاء العام 2004 حين كان نواكشوط متمسِّكا بحصَّتهِ من البرد القارس، كنتُ ألتزمُ بطقسِ تسخينِ اليدين قبل الخروجِ من البيت.ثم أبدأُ-بسعادةٍ طفوليةٍ- تفقُّدَ البُخارِ الخفيفِ الذي ينبعثُ من فمي بفعلِ البرد.
أذكرُ قميصي الرمادي الطويل والبنطلونَ الجينز ذو اللون الأزرق الغامق الذين كنتُ أرتديهما في حصة الفرنسية لأن معلمتي أخبرتني أنني أبدو يافعةً حين أرتديهما.
أذكرُ الضبابَ الذي يغطي وجهَ المدينة والأيام الغائمة التي تشكِّلُ روحَ الشتاء والأرصفةِ النديةِ غير المرتّبة.
أذكرُ بيتَ والدتنا -جدتي- الذي لفرطِ حلاوتهِ كان يبدوا منفصلا عن الزمن.
أذكرُ أوقاتَ تسلُّلي إلى التلفاز بعد انقضاء الوقتِ المُصرَّحِ به.
أذكرُ أمسياتِ القراءةِ تحت ظل “المگزينة” وأذكرُ تحذيرات الوالدة “وهاي لا تعطبك تيجوَ فلگريس”
أذكرُ ليالي بيت الساهرين الحُلوة.
أذكرُ اتخاذي المذياعَ وسادةً، والنومَ على أنغام “Monte carlo” المُمتدَّةِ حتى الساعات الأخيرة من الليل.
أذكرُ استيقاظي كلَّ ليلةٍ عند بدايةِ الفترةِ الصباحية للإذاعة الفرنسية حوالي الثالثة فجرا وتسلُّلي من الفراش من أجل مشاهدةِ الفجرِ الكاذب ثم الصادق في سماءٍ بدأت تنطفئ فيها النجوم.
أذكرُ جيداً كل شيء وتهبُّ رائحة الخشب الأشقر والزيزفون من كلِّ مكان.